إبادتهم أولاً

{title}
أخبار الأردن -

إبراهيم القيسي 

كل معلوماتنا عن إبادة الشعوب تعاني تلفيقا مقصودا، وتوجيها يخدم أجندة المستعمر الأوروبي والأمريكي، ولا يوجد بالنسبة لنا، نحن الذين نتابع حلقة جديدة من مسلسل إبادة الفلسطينيين، لا يوجد خبر من أخبار إبادة الشعوب، أوثق من خبر إبادة الشعب الفلسطيني، تحت الرعاية العالمية الحثيثة وبدعم منها، وهذا ما نعلمه يقينا عن الموقف الأمريكي والبريطاني والفرنسي والألماني والأوكراني.

ليست حربا فعلية؛ التي تجري اليوم لإبادة ثم ترحيل مَن تبقى من الشعب الفلسطيني من غزة، إلى مصر والشتات، بل هي «لعبة تكنولوجية»، بالنسبة للطيارين الإسرائيليين والأمريكيين والفرنسيين والإنجليز وغيرهم، حيث لا أحد يطأ أرض غزة المراد تطهيرها من سكانها، وحتى النظر بالعين المجردة إليها، فالقصة هي مجرد الجلوس أمام شاشة، والضغط باليد أو العين او فقط التفكير بإطلاق قذيفة، وبقية العملية مؤتمتة، لا تحتاج لجهد بشري يذكر، وعلى أرض غزة وداخل بيوتها، تتم إبادة وحرق «النمل» أو أي اسم تريدون إطلاقه على الكائنات التي تتواجد في غزة، فقد كان آخر اسم أطلقته عليهم العصابة الإرهابية المتطرفة التي تسيطر على حكومة الإحتلال، بأنهم ليسوا بشرا فعلا، بل هم (حيوانات بشرية)، وهم الذين طالب رئيس أمريكا «بايدن» من مجرمه نتنياهو «بحسم» أمرهم هذه المرة، وربنا حدد له مهلة متفق عليها، وقدم له كل الدعم المطلوب لتنفيذ المهمة، وشرع مع شركائه الأوروبيين بحملة دعائية وديبلوماسية، وابتزاز، لترويج خطاب الإبادة وبالصوت والصورة والتصريح الإعلامي الواضح..

هل يعتقد أحد بأن الذي يجري اليوم في فلسطين، هو مجرد تطورات وردود أفعال، يمارسها المجرمون لقتل وتهجير من يتبقى من أهل غزة؟ بموضوعية؛ ليس الأمر بهذه السهولة، فكل التطورات تقول بأنها عملية مخطط لها، بما فيها «تغاضي» الدولة العنصرية المجرمة عن أحداث السبت 7 اكتوبر الجاري، وإمهال الرجال ال(1000) سويعات، ليقدموا في النهاية ما يلزم من ذرائع تكفي، وقابلة للتحريف، كي تقوم عصابة الإجرام والتطرف بجريمتها وتنال «غزة الفارغة من البشر» كهدية أولى، بينما تعمل مع داعميها -فيما بعد حملة الإبادة- على تنظيم اقتسام الغنائم المتبقية من أراضي ومقدرات ودماء بقية الشعوب العربية، وتبدأ رحلة تحدٍّ جديدة لجيوش وأجهزة أمن الدول العربية، مع تبعات القضية الفلسطينية، التي ستنتقل إلى بلدانهم، ليتباكى عليهم العالم بدموع التماسيح من جديد، ويبتز الدول المستضيفة للاجئين الجدد، بل لشعب فقد كل أرضه، ومقدساته، وتنتعش من جديد منظومة العمالة والخيانة والفساد المبنية على قضية فلسطين، لنجد سلطات جديدة من سلالة «سلطة دايتون»، وسلالات من الحركات الفلسطينية المناهضة للاحتلال، والتي ستكون جديدة وتعمل خارج حدود فلسطين، لتمتد الصراعات إلى أجزاء جديدة من العالم العربي، في المنطقة التي تشكل «حلم الصهيونية»..

نحن منخرطون اليوم في صمت مجرم، نفهم أبعاد الجريمة الجديدة، ونعلم خطرها علينا وعلى بلداننا، ونتغاضى عنها رغم خطورتها الداهمة، ولا نحفل بالخطر القادم من ورائها، ولا بالدم الفلسطيني، ولا بجريمة الإبادة، ونشاهد حفلة جديدة من سقوط الأقنعة، حيث انتهى وقت الحفلة التنكرية القديمة، وولجنا مرحلة حروب النجوم ومؤامراتها ضد شعب عربي يموت واقفا، منكوبا جائعا عطشا مروَّعا، أطفاله يتصدرون مهرجان ومسيرات الجنازات، ونتابع الرواية الإعلامية المضللة الملفقة، ولا نعترض عليها رغم علمنا بحقيقة تلفيقها وغاياته.

روسيا الحرة؛ حالت دون حدوث المخطط الأول، الذي كان سينطلق على أنقاض سوريا، فكان تنفيذ المخطط الثاني استحقاقا صريحا، واجب التنفيذ وعلى وجه «الاستعجال»، وبمقدار بسيط وغير مهم من المبررات والتغاضي..

من الذي حصرنا في هذه الزاوية وقلص خياراتنا حتى الصفر، أو جعل من خيار انتشار الفوضى من جديد رئيسيا، ملتزما بهدم المعابد على رؤوس المتعبدين والأصنام؟ .. لا يوجد دولة من دول العرب يمكنها أن تحتضن القنبلة الفلسطينية، حتى لو تولت بقية مهمة التطهير والإبادة، بعد هذا التطهير العرقي الذي يبث على الهواء مباشرة، وسيكون التحدي الأكبر عندئذ، هو عدم تحويل كل الشعب العربي والإسلامي إلى شعب فلسطيني، وهذا ما لا طاقة لأمريكا وأوروبا و»العالم» لمواجهته، وسوف يحتاج المستعمرون عندئذ لمشروع أكبر من المشروع الصهيوني لتدارك خطر زوالهم.

تابعونا على جوجل نيوز
تصميم و تطوير