الترانسفير.. ليس مجرد أمنية!

{title}
أخبار الأردن -

موفق ملكاوي

لطالما داعبت الإبادة الجماعية والترانسفير خيالات صنّاع السياسات الصهيونية المتطرفة، ورغم أنهم نفذوا هذا الأمر على أرض الواقع خلال حربي 1948 و1967، وفي لبنان وغزة والضفة الغربية خلال عدوانهم المستمر، إلا أن الفلسطينيين الذين تشبثوا بأرضهم جعلوا خططهم ناقصة النهايات، وأفشلوا “الحل النهائي”، أو final solution، الذي استعاره الصهاينة من النازيين، ليخضعوا الفلسطينيين لسلطته.

الإبادة الجماعية والترانسفير لم يغيبا أبدا عن الأدبيات الصهيونية، لذلك، رأينا كيف أن أي حرب أو نزاع صغير، ينتهي بشهداء يسقطون، وبلاجئين أو نازحين يغيرون أماكن إقامتهم، سواء داخل الوطن الفلسطيني أو خارجه.

مسار اليهود التاريخي، يمكن أن يدرسه علم نفس الجماعة، من خلال المنفى الأول “الآشوري”، ثم “النفي البابلي”، والهزيمة على يد هاديريان، وصولا إلى العصور الوسطى والطرد من إسبانيا وإنجلترا، ثم الاضطهاد على يد النازية. كل هذه الأحداث قادت إلى تكوين نفسية مريضة لدى عدد كبير من اليهود، توارثوها عبر الأجيال، وعبروا عنها بـ”تصنيع” الصهيونية السياسية التي تحل فعل أي شيء في حق الأغيار أو “الغوييم”، ما دام أنهم ينفذون “إرادة يهوه”، ويعيدون اختراع “شعب الله المختار”.
اليوم، ومن خلال المجزرة البشعة التي ينفذها الاحتلال في قطاع غزة، يتبدى الأمر بوضوح؛ قطع المياه والكهرباء عن القطاع، والمضي بتجويع الأهالي. ومن ناحية أخرى، تنشغل آلته التدميرية بهدم جميع المرافق الضرورية لاستدامة الحياة، كالمباني السكانية ومنشآت الخدمات العامة والمدارس والمستشفيات، منفذة خطة شاملة، فإما أن يموت الفلسطيني أو يهجر أرضه باتجاه مصر.

الخبراء الصهيونيون خرجوا على الإعلام خلال الأيام القليلة الماضية، وبعضها قنوات عربية، وطالبوا الفلسطينيين، صراحة، باللجوء إلى مصر “هربا من الحرب”. أحد هؤلاء الصهاينة قال إن الأردن فيه أكثر من مليون سوري، وهم هربوا من أجل الحفاظ على أرواحهم، داعيا الفلسطينيين للأمر نفسه، ومدعيا أنه يمكن لهم العودة حين “الإنهاء على حركة حماس”.
من خلال خبرتنا الطويلة مع الكيان العنصري، ندرك أن خططهم مرحلية، وأنهم يلجأون إلى تنفيذ أجندتهم بالتدريج، لذلك، نعلم أن الفلسطيني الذي سيلجأ إلى مصر، لن يكون في مقدوره العودة مرة أخرى إلى غزة. لكن الأمر الأخطر هو ما تكشفه هذه التصريحات من النوايا المتطرفة تجاه “الغوييم” الذين يتم تصنيفهم على أنهم “أقل من البشر”، وهو تعبير لم يخطئ فيه وزير الحرب الصهيوني يوآف غالانت حين توعد أهل غزة بقطع الكهرباء والطعام والوقود، ووصفهم بأنهم “حيوانات بشرية”.
إذا ما نجح الكيان بالتهجير القسري لسكان غزة، فسوف تعجبه “اللعبة” كثيرا، وسرعان ما سنراه محاولا تطبيقها في الضفة الغربية المحتلة، ليدفع سكانها باتجاه الحدود الأردنية. قانون “يهودية الدولة” الذي يعرّف الكيان على أنه “دولة قومية للشعب اليهودي”، يأتي للدعاية العاطفية، بل هو مبدأ أساسي في العقيدة الصهيونية. وإذا ما تم ربطه برفض الحكومات المتتالية تنفيذ التزاماتها التي أبرمتها بشأن الدولة الفلسطينية، وبجنون الاستيطان، فسنتأكد من أن الهدف المرحلي للمشروع الصهيوني هو دولة يهودية على كامل التراب الفلسطيني، وحينها لن تكون هناك ضفة غربية، ولا قطاع غزة، ولا حتى وجود لفلسطينيي العام 1948، من أجل أن يتحقق “نقاء الدولة اليهودية”.

لكنه، وكما أسلفت، يظل هدفا مرحليا، فـ”علاقة الغرام” بالضفة الشرقية؛ الأردن، ظلت على الدوام علاقة قوية لدى المنظرين الصهاينة. وفي الوقت الذي يدعو بعضهم إلى أن يكون الأردن وطنا بديلا للفلسطينيين، يستعيد آخرون قصيدة “الضفتين” لزئيف جابوتنسكي، والتي تقول “لنهر الأردن ضفتان: الضفة الأولى لنا، والثانية لنا أيضا”، معبرين عن أطماع تتعدى فلسطين التاريخية، وكاشفين عن مرحلة أخرى يوجهون فيها حرابهم إلى الأردن، ليشتغلوا على الأمر الذي يجيدونه، وهو صناعة الخراب والموت واللجوء.
إن ظهور الأردن في خرائط كثيرة رفعها صهيونيون لم يأت من باب الخطأ، بل هو عقيدة ثابتة في وجدانهم الجمعي، ويبدو أنهم لن يتنازلوا عن تحقيقها ما دمنا ندفن رؤوسنا في الرمال، ونمد لهم يد السلم. هذه عقيدة واضحة للصهيونية، وهي غير مخفية، بل يرفعونها على الدوام أمام أعيننا، ومن السخيف جدا، وأيضا من الخطير، أن نبقى نرفع شعارات السلام مع كيان لا يعترف بكينونتنا، ولا بحقنا في الوجود.

تابعونا على جوجل نيوز
تصميم و تطوير