"طوفان الأقصى".. تغير لمعادلات اللعبة

{title}
أخبار الأردن -

محمود الخطاطبة

"أتمنى أن أفيق في الصبح، وأرى البحر قد ابتلع غزة".. مقولة لرئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي، المقبور، اسحق رابين.. بالمُقابل الكاتب الصهيوني في صحيفة معاريف الإسرائيلية، بن كسبيت، يقول: "تعرّضت إسرائيل لمُفاجأة استراتيجية بحجم حرب يوم (رمضان)، ولكن أكثر إذلالًا. الحديث يدور عن مُنظمة نعرّفها كإسرائيليين (..)، بدون سلاح جو، بدون مُدرّعات، بدون بُنى تحتية، مُحاصرة ومعزولة أمام آلة الاستخبارت الإسرائيلية الجبارة الأكثر تطورًا في العالم. وبعد كل ذلك، هي التي انتصرت. حماس أنزلت قوة عُظمى على الركبتين".

شتان ما بين هذين الاقتباسين، فالجواب على الأول هي عملية "طوفان الأقصى"، التي نفذتها المُقاومة الفلسطينية، بقيادة حركة حماس، صباح يوم السابع من تشرين الأول، والتي دلت على فشل عسكري إسرائيلي واستخباراتي.. وهو ما أكده الكاتب الأميركي، توماس فريدمان، إذ انتقد "التعامل الساذج للاستخبارات الإسرائيلية. واعتبره أنه أسوأ يوم في تاريخ إسرائيل".

أما الاقتباس الثاني، فالرد عليه هو قول رب العالمين: "قتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ ٍٍاللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْم مُّؤْمِنِينَ"، ويؤكد في الوقت نفسه هزيمة "النمر الورقي"، الذي أخاف الدول العربية لعقود طويلة، وتُعتبر ردًا على سياسة الاحتلال الاستفزازية، وميليشيات المُستوطنين المُتوحشة التي تُهيج المنطقة.
وسائل الإعلام المُختلفة، بالإضافة إلى مُحللين عسكريين ومُراقبين، قد أشبعوا تلك العملية تحليلًا وتمحيصًا وتدقيقًا.. لكن من المُهم جدًا، إثارة بعض الأسئلة هُنا أو هُناك.
بداية، لا يشك أحد، بأن المُقاومة الفلسطينية، أتقنت عناصر: المُفاجأة والتوقيت والسرية والخداع الاستراتيجي، إذ تُعتبر هذه هي المرة الأولى منذ "نكبة 48" التي يتم فيها نقل المعركة إلى داخل إسرائيل، بالإضافة إلى تكبديها العدو لخسائر، بلغت حصيلتها حتى الآن 700 قتيل إسرائيلي، ونحو 2200 جريح، أي ما نسبته 87.5 بالمائة من قتلى حرب الأيام الستة (1967)، حيث خسر وقتها جيش الاحتلال 800 جندي.

ومن حق المُتابع أو القارئ، أن يتساءل "هل جيش الاحتلال بكُل هذه السذاجة؟"، خصوصًا أنه يمتلك ترسانة مُتطورة، عسكريًا وتكنولوجيًا، ناهيك عن اتقانه للعمل السري.. جميع الاحتمالات واردة، فقد يكون هُناك تساهلًا، أكان مُتعمدًا أم لا، إذ لا يُعقل جيش يمتلك كُل هذه التجهيزات الحديثة، ويبقى عاجزًا عن الرد لساعات طوال!.
لا أحد يشكك أيضًا، بصحة العقيدة والانتماء والولاء للمُقاومة الفلسطينية، إلا أنه هُناك حلقة مفقودة، تضع أكثر من إشارة استفهام،
فـ"طوفان الأقصى"، تُعتبر هزة أرضية عصفت بالصهاينة، وقد تُغير موازين القوى في الإقليم، بحيث تُصبح مُختلفة عما كانت عليه قبل السابع من تشرين الأول.
فها هي الولايات المُتحدة الأميركية تؤكد أن حاملة الطائرات "جيرالد فورد"، التي تُعتبر الأكثر تطورًا، وبلغت تكلفتها 13 مليار دولار،  ستصل شرق المتوسط خلال يومين، "دعمًا لإسرائيل".. هل ذلك يعني أن المنطقة بأكملها مُقبلة على تغيير شامل؟، فـ"فورد"، القادرة على حمل 75 طائرة عسكرية في آن واحد، وعديد طاقمها يبلغ 4460 جنديًا، ليس لتقديم دعم عادي للاحتلال!.
هُناك فوائد لـ"طوفان الأقصى"، تتمثل بإعادة رص الصفوف في الداخل الفلسطيني، فحتمًا هذه العملية ستكون دافعًا قويًا لأن تتوحد الفصائل الفلسطينية المُقاومة، أكثر من ذي قبل، وبالتالي تغير المُعادلة على الأرض، لما فيه خير للقضية الفلسطينية وأهلها.
إلى جانب أن تلك العملية ستُشكل حافزًا قويًا لعدة دول عربية، ومن ضمنها الأردن، للعمل على تغيير قواعد "اللعبة"، فالآن باستطاعتها استخدام ورقة ضغط جديدة تعود بالنفع عليها، وعدم حل القضية الفلسطينية على حساب أراضيها.. كما أن بعض الدول ستتراجع خطوات كبيرة إلى الوراء بشأن "التطبيع" مع الاحتلال الإسرائيلي.
بالتأكيد، فإن المُقاومة تُثبت من جديد أن القضية الفلسطينية ليست "سهلة"، وأن قواعد ومُعادلات اللعبة ستتغير، إن لم تكن قد تغيرت بالفعل.. حتى المُفاوضات ستتغير، فما قبل 7 تشرين الأول، لن يكون مُشابهًا لما بعده، على كُل الأصعدة.
لا ننسى أن نترحم على الشهداء، والدعاء بالشفاء العاجل للمُصابين والجرحى، على الرغم من أن الفلسطينيين بشكل عام، والغزيين بشكل خاص، يعلمون بأن آلة البطش المُغتصبة، ستضرب بلا هوادة أو أي رحمة، المدنيين العُزل، وتعمل على تدمير البُنى تحتية، لسبب واحد فقط، هو حفظ ماء وجهها، الذي ذاق الذُل والهوان.. فجيش الاحتلال لم يذق طعم الهزيمة منذ حربي الكرامة العام 1968، ورمضان العام 1973.

تابعونا على جوجل نيوز
تصميم و تطوير