"براءة الذمة" أداة لاستغلال العمالة المصرية في الأردن

{title}
أخبار الأردن -

شعبان أحمد

لطالما كانت العلاقة بين العامل المهاجر وصاحب العمل في الاردن، علاقة معقدة، تشوبها تجاوزات عديدة، وغالبا ما يكون العامل المهاجر هو الطرف الأضعف بتلك العلاقة.

العامل المصري في قطاع الإنشاءات بمدينة الزرقاء طارق السيد أراد الانتقال الى العاصمة عمان للعمل كحارس على عمارة سكنية، حيث طلب من كفيله الحصول على براءة ذمة، لكي تتمكن من اصدار تصريح عمل جديد، ولكنه تفاجأ بامتناع كفيله (صاحب العمل) عن منحة براءة الذمة، الا بعد دفع مبلغ 400 دينار.

يقول السيد (35 عاما) أنه في البداية رفض إعطاء" كفيله" هذه المبلغ، خاصة أنه يمر بظروف مادية صعبة، فهو يرسل معظم ما يكسبه في الاردن من نقود الى محافظة كفر الشيخ المصرية، من أجل إعالة أسرته المكونة من زوجته وطفلين.

ويتابع أن العلاقة توترت مع صاحب العمل، ولكن رغبته بالانتقال إلى العاصمة عمان، وخوفه من تطوير الخلاف مع الكفيل دفع لتقديم اقتراح لتخفيض المبلغ إلى 300 دينار اردني، وبعد شد وجذب، تم الاتفاق على دفع 350 دينار مقابل منح براءة الذمة.

"من أجل لقمة العيش"

طارق السيد كغيره من العمال المهاجرين إلى الاردن، الذين يجبرون على دفع مبالغ مالية قد تصل إلى 1000 مقابل الحصول على ورقة براءة الذمة، التي تشكل بنسبة لهم حريتهم القانونية، حيث تعتبر من أهم الاوراق التي تطلبها وزارة العمال لإصدار تصريح عمل جديد للعامل المهاجرة.

ويؤكد السيد على أن كثير من أبناء العمال المهاجرة من الجنسية المصرية لا يفضلون الذهاب الى مراكز الشرطة أو القضاء في حال حدوث خلاف مع صاحب العمل، إيمانا منهم بانهم هنا من أجل الحصول على " لقمة العيش، وليس لإثارة المشاكل"، بحسب تعبير السيد.

وجهة نظر القانون 

يكفل الدستور والقانون الاردني حق العامل بالتقاضي أمام القضاء الأردني لجميع المقيمين على أراضي المملكة، بدون تمييز، ويمنح قانون العمل الاردني العمالة المهاجرة جميع الحقوق التي يمنحها لأقرانهم العمال من المواطنين الأردنيين.

وقال الناطق الإعلامي باسم وزارة العمل محمد الزيود، إن هنالك نحو 72 ألف عامل مصري يعملون في المملكة بمختلف القطاعات، ولديهم تصريح عمل ساري المفعول.

يقول القانوني محمد المشاقبة ان العمالة المهاجرة من الجنسية المصرية تعتبر من الجنسيات غير المقيدة، التي وضعت تعليمات وشروط وإجراءات استخدام واستقدام العمال غير الأردنيين، و اليات انتقالهم من صاحب عمل لآخر، إذ يسمح للعامل المستَقدم من خارج الاردن والمستَخدم  من داخل الاردن من الجنسيات المقيدة وغير المقيدة بالانتقال لصاحب عمل آخر، بعد انتهاء  التصريح في نفس القطاع أو باقي القطاعات عدا قطاع الزراعة.

 

 ويتابع المشاقبة: أمام عن العاملين في قطاع الزراعة والإنشاءات، فيمكن لهم بالانتقال من صاحب عمل الى آخر في نفس القطاع وذلك باتفاق العامل وصاحبي العمل الاصلي (القديم) والجديد وبشرط موافقة وزارة العمل وإصدار تصريح عمل جديد، كما يجوز استخدام العامل لدى صاحب عمل آخر غير المصرح له بالعمل لديه وفي نفس القطاع ولمدة معينة بدون إلغاء تصريح العمل، بشرط الحصول على إذن بذلك من وزاره العمل.
ينوه الى أن وزارة العمل أصدرت تعليمات عام ٢٠١٩ تشير إلى السماح للانتقال بدون براءة ذمة طالما أنه لم تسجل حالة فرار، ولكن هذه التعليمات لم يتم تنفيذها خوفا من وجود خلاف بين صاحب العمل والعامل تظهر لاحقا.

وختم المشاقبة حديثه أنه في باقي القطاعات الأخرى، يسمح بانتقال العامل المستقدم من صاحب العمل الذي كان فيه إلى آخر بعد مضي 6 أشهر من تصريح العمل وبشرط موافقة وزارة العمل وكفيل العمل الأصلي والجديد، وإصدار تصريح عمل جديد.

فوضى العمالة المهاجرة في الاردن

تمثل العمالة المصرية النسبة الأعلى بين العمالة العربية الحاصلة على تصريح عمل في سوق العمل الأردني وفقا لبيانات وزارة العمل ، حيث شكلت ما نسبته (%54.1)من إجمالي العمالة غير الأردنية، كما شكلت العمالة السورية ما نسبته (%8.5) من إجمالي العمالة غير الأردنية، في حين شكلت العمالة من باقي الدول العربية الأخرى ما نسبته (%0.3)فقط من إجمالي العمالة غير الأردنية.

أما بالنسبة للعمال الغير العربية في  سوق العمل الأردني فقد إحتلت العمالة البنغالية  المرتبة الأولى بنسبة (%12.9)، يليها العاملة الهندية ثم الفلبينية ثم السيريلانكية وكانت نسب العمالة كالتالي (%4.8) (%3.7) (%2.3) من إجمالي العماله غير الأردنية على التوالي.

يقول صاحب عدة مزارع في محافظة المفرق ممدوح سميرات أن هنالك فوضى كبيرة في سوق العمالة المهاجرة بالاردن، حيث أن هنالك عشرات الآلاف من العمال المهاجرين في الاردن الذين يعملون بدون تصاريح عمل سارية المفعول ، ناهيك عن الذين يعملون تصاريح مخالفة لطبيعة عملها على أرض الواقع .

وشدد سميرات على ضرورة تشديد الرقابة على العمالة المهاجرة ، بهدف تنظيم هذا القطاع ، والحد من التجاوزات الأمنية التي ممكن أن تحدث، بحسب تعبيره-.

 

محاولات التنظيم 
 
بمحاولة لتنظيم العمالة المهاجرة اصدرت وزارة العمل قرارات وتعميمات لتنظيم العلاقة بين العامل وصاحب العمل في قطاعات مختلفة، وغالبًا ما تخضع تلك التعليمات لتعديلات مستمرة.

يقول الناشط في حقوق العمالة المهاجرة محمد العدوان أن تغيير التعليمات يسبب إرباكاً وقلق لكل من صاحب العمل والعامل، وهذا الإرباك ناتج عن عدم الاطلاع على التعميمات والقرارات الصادرة عن وزارة العمل.

ويشير العدوان الى أن  هذه التعميمات لا تنشر على موقع وزارة العمل بشكل يستطيع كل من العامل واصحاب العمل رؤيتها بشكل سريع ومباشر على الموقع الالكتروني، لافتا إلى أنه من الممكن أن  تلغى التعميمات أو تُعدل دون اطلاعهم عليها، الأمر الذي  يسبب في ارتكاب مخالفات.

تبقى للتساؤلات مفتوحة حتى تنظم العلاقة بين صاحب العمل والعامل المهاجر ضمن منظومة قانونية واجتماعية تتوافق مع الأنظمة العالمية لحقوق العمال المهاجرين، ليتمكن طارق السيد وغيره من العمال المهاجرين من اختيار مكان عملهم بدون أي محاولات لابتزازهم أو الضغط عليهم.

تابعونا على جوجل نيوز
تصميم و تطوير