الجداول الانتخابية تسخن الأجواء و" الدعم المؤجل" يؤزمها
حالة من السباق مع الزمن تشهدها الساحة السياسية والحزبية مع دخول موعد الانتخابات النيابية مربع السنة الأخيرة. فرغم الخلافات الداخلية التي تعيشها بعض الأحزاب، يمكن للمدقق في تفاصيل المشهد رصد محاولات جادة لترتيب الأوضاع استعدادا للانتخابات، والتواصل مع الشارع بمختلف اطيافه إما لعرض البرامج، أو لبناء نوع من العلاقات العامة وبخاصة مع العشائر التي تعتبر الرافد الأكبر للأصوات التي يحصدها الحزبيون، أو حتى بناء التحالفات ضمن الإطار الحزبي، استعدادا لأهم انتخابات تشهدها المملكة العام المقبل.
فقد تم الإعلان عن ائتلاف سبعة أحزاب وسطية استعدادا لخوض الانتخابات ضمن قائمة موحدة، وتوقعات بإعلان عن ائتلافات أخرى ضمن إطار الأحزاب المرخصة البالغ عددها 27 حزبا.
ويبدو أن حالة السباق تلك ـ بحكم حداثة التجربة الحزبية لدى البعض ـ تخللتها تجاوزات للخطوط الحمراء، وصولا إلى ما يقترب من الفضيحة، على خلفية تسريبات بدخول المال السياسي إلى خزائن بعض الأحزاب. وإلى ممارسات اعتبرت الهيئة المستقلة للانتخاب الكشف عنها في هذه المرحلة بأنه تشويش على العمل الحزبي.
وبالتوازي، كانت هناك اتهامات لبعض الجهات الحكومية بالانحياز إلى أحزاب بعينها في تلبية بعض المطالب والتسهيلات على حساب أحزاب أخرى.
وأعضاء مجلس النواب يستعدون لتوديع القبة البرلمانية بعد عدة أشهر لملاقاة قواعدهم الانتخابية والإجابة على تساؤلاتهم بخصوص ما أنجزوه وما قدموه من خدمات لهم. والأحزاب تحاول التغلب على أزماتها التنظيمية والمالية وصولا إلى حلبة التنافس على مقاعد الكوتا الحزبية، ومقاعد الدوائر الانتخابية، وبالتالي حصد ما تستطيع من مقاعد برلمانية تكون الأساس في تصنيفها وتحديد مكانتها بين الأحزاب، وقدرتها على التنافس في التشكيل الحكومي.
كل تلك التقاطعات تضع المتنافسين ضمن حلبة سباق محكومة بتوقيت ضيق، وإمكانات محدودة يزيد من حدة اشكالاتها غياب للاهتمام الشعبي بذلك الاستحقاق، وعزوف عن الانخراط بالعمل الحزبي.
فالمشكلة الحزبية تزداد حدة ـ كما يشخصها حزبيون ـ لأن نظام الدعم المالي للأحزاب أرجأ تقديم الدعم إلى ما بعد الانتخابات، وربط مقداره بما ينجح الحزب بحصده من مقاعد نيابية وبلدية وغيرها. وسط شكوى من أن بعض الأحزاب ليس لديها الإمكانات للإنفاق على مقراتها وحملات ناخبيها. وأن ما تجنيه من تبرعات لا يكفي لتغطية تلك النفقات.
وهي شكوى، وإن بدت منطقية بعض الشئ، إلا أنها لا ترتقي إلى مستوى تبرير بعض الممارسات التي أثارت احتجاجات شعبية، أثّرت سلبيا على اسم وسمعة بعض الأحزاب، وبخاصة المتهمة باللجوء إلى المال السياسي، وإلى ما اتفق على تسميته بـ» الرشى السياسية» المتمثلة ببيع مقاعد الترشيح لمتنفذين ماليا من أعضائها.
الأسبوع الماضي، أطلقت دائرة الأحوال المدنية صافرة البداية بإعلانها عن إنجاز أول استحقاق انتخابي، لأول انتخابات ستجري العام المقبل وفقا للقانون الجديد الموسوم بالإصلاح السياسي، والذي من المفترض أن ينقل العمل البرلماني من الفردية إلى الحزبية، وشهدت الساحة حراكا تمهيديا تمثل بمتابعة تلك الجداول ومحاولة التعامل معها مصلحيا وبما يسمح به القانون.
فالقانون الجديد أمر الدائرة بإعداد الجداول الانتخابية وفقا للدوائر الانتخابية الجديدة، وبحسب مكان السكن المسجل لدى الأحوال المدنية، ما يعني أن مئات الآلاف من الناخبين قد تغير مكان انتخابهم عما كان يسمح به القانون السابق من خيارات تلتقي مع رغباتهم الشخصية والعائلية، المتعددة التي تأخذ البعدين العائلي والعشائري إضافة إلى مكان الإقامة بعين الاعتبار.
الحراك الدائر حاليا يقوم به راغبون بالترشح وناخبون من أنصارهم للطعن بتلك السجلات حيث يسمح القانون لأي ناخب بالاعتراض على تسجيله، أملا في تغيير مكان الإقامة إلى دائرة أخرى خدمة لمرشحهم، مع إدراكهم بصعوبة الاستجابة لتلك المطالب. وبما يختلف عما كان ينص عليه القانون السابق وما كان يحدث في دورات انتخابية سابقة من إجراءات كان يطلق عليها وصف» رحلة الدفاتر الزرقاء»، كناية عن نقل أسماء الناخبين من دائرة إلى أخرى إرضاء لمتنفذين، واستجابة لبعض المصالح.
قضية القوائم الانتخابية ومطالب الناخبين والراغبين بالترشيح بخصوصها تبدو متواضعة أمام القضايا الأخرى، والتي ترتقي إلى مستوى الفضيحة، حيث الاتهام لبعض الأحزاب بتلقي المال السياسي. وانحياز الحكومة لأحزاب بعينها.
ففي تلك القضايا ما يهز سمعة بعض الأحزاب وما ينعكس سلبا على مجمل العملية الانتخابية التي ترفع شعار الإصلاح.
وتبقى الكرة في مرمى الهيئة المستقلة للانتخاب، في ضوء ما ستفعله بهذا الخصوص.