ثمار السلام المفقودة
أيمن الحنيطي
44 عاماً على معاهدة كامب ديفيد بين مصر وإسرائيل ، و30 عاماً على اتفاقيات اوسلو بين الفلسطينيين وإسرائيل، و29 عاماً على معاهدة وادي عربة بين الاردن وإسرائيل ، وما زال المصريون والفلسطينيون والأردنيون يبحثون عن “ثمار السلام” التي يتنعم بها الإسرائيليون وحدهم اليوم، ثلاث سنوات مضت على “الاتفاقيات الإبراهيمية” ، نحو مليون إسرائيلي زاروا الأمارات حتى اليوم ، في المقابل يتساءل الإسرائيليون : اين الإماراتيين؟ لماذا لا يزوروننا مثلما نزورهم ؟ الجواب بسيط طالما بقي الصراع في اوجه اليوم بين الفلسطينيين والإسرائيليين واستمرت دوامة العنف والقتل والكراهية ،وبقيت الفروقات الشاسعة في مستويات العيش والحياة الكريمة بين الاسرائيليين والشعوب العربية المحيطة بهم، لن تنعم المنطقة بالأمن والاستقرار والسلام.
تخيلوا يا سادة يا كرام لو ان مستوى معيشة الفلسطيني والمصري والأردني والسوري واللبناني والعراقي مساوي اليوم لمستوى معيشة الامريكي والاوروبي والاسرائيلي والعربي الخليجي، وان هذه كانت نتيجة طبيعية لسلام منشود منذ عشرات السنيين في المنطقة انتهى فيه الاحتلال ، وعادت الحقوق الى أصحابها ، وجرى تسوية جميع الملفات العالقة، وكانت هناك إدارات حصيفة تتولى إدارة شؤون شعوب المنطقة بالشكل السليم، هل سيبقى قتل وعنف وكراهية بين شعوب المنطقة ؟ نعم انه صراع أزلي لن ينتهي الى يوم القيامة ولكن يمكن التعايش معه باقل التكاليف لحفظ حياة وكرامة الإنسان .
بعد لقاء ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان مع فوكس نيوز الأمريكية مؤخرا، اتضحت كل الأمور ، وتبين جلياً الى اين تتجه البوصلة ، بعد عدة اشهر، وكما هو مخطط، سيجري التوقيع على معاهدة سلام عربية – إسرائيلية جديدة تضاف لكامب ديفيد واوسلو ووادي عربة والاتفاقيات الإبراهيمية ، اتفاق تطبيع علاقات بين المملكة العربية السعودية وإسرائيل، وكما سرب الإسرائيليون من اخبار وكعادتهم دوما، تقوم هذه الأيام طواقم مهنية مشتركة سعودية وإسرائيلية بصياغة البنود وتذليل العقبات مع الجانب الأمريكي قبل التوقيع الرسمي على الاتفاقية في البيت الأبيض خلال الربع الأول من العام المقبل على ابعد تقدير.
ان جميع صيغ السلام السابقة واللاحقة ، سواء ” الأرض مقابل السلام” ، و”السلام مقابل السلام” ، و”العلم والبيزنيس مقابل السلام و”النووي مقابل السلام”، لن تجدي نفعاً ، طالما بقيت اسرائيل تراوغ وتتملص من التزاماتها وتكرس احتلالها واستيطانها ، وتتبع نفس الاستراتيجية مع الأطراف العربية ، استراتيجية ” التفرد والاحتواء” ، فقد انفردت في مصر بعد حرب ال 73 واحتوتها في كامب ديفيد في العام 1979 ، وانفردت بالفلسطينيين، واحتوتهم في اوسلو في العام 1993 ، ثم استدرجت بهم الاردن، واحتوته في وادي عربة في العام 1994 ، وفي 2020 انفردت بالأمارات والبحرين والمغرب والسودان بذريعة تعليق ضم الضفة الغربية لأربع سنوات، واحتوتهم جميعاً ب”الاتفاقيات الإبراهيمية”، وها هي اليوم تتبع نفس الاستراتيجية مع زعيمة العالمين العربي والإسلامي، السعودية، والتي تعتبرها اليوم “الجوهرة الكبرى في تاج التطبيع”
الكرة اليوم في ملعب المملكة العربية السعودية ، هي الوحيدة القادرة على لجم اسرائيل ، ووضع حد لاستراتيجيتها بالتفرد والاحتواء والتي أدخلت المنطقة في دوامة عنف لن تنتهي ، وفتحت أبواب الدول العربية لإيران التي دمرت العراق وسوريا ولبنان واليمن بذريعة نصرة القضية الفلسطينية واستعادة الحقوق العربية، الرياض قادرة اليوم بعلاقاتها الطيبة مع طهران ان تضع حدا لهذا التدخل، باستطاعة ولي العهد السعودي الأمير الشاب محمد بن سلمان خلال الأشهر المقبلة تفويت الفرصة على الإسرائيليين بدعوة جميع الأطراف على طاولة ” مدريد 2 ” وإحياء مبادرة السلام العربية ، السعودية أصلا والمطروحة من العام 2002 ،وجمع 57 دولة عربية وإسلامية بما فيها ايران مع اسرائيل والولايات المتحدة، السعودية تمتلك اليوم قوة سياسية واقتصادية هائلة لو استثمرتها بالشكل السليم ، ستنعم جميع المنطقة بالسلام والازدهار الحقيقي ، وليس الإسرائيليين وحدهم، وستتوقف عجلة القتل والعنف والكراهية سريعاً، عندها سيستحق بن سلمان جائزة نوبل للسلام باقتدار، وستكرس المملكة العربية السعودية زعامتها للعالمين العربي والإسلامي .
أخيرا لا اخراً نقول، ما كتبناه في الفقرات السابقة، وما اقتراحناه ، هو حصيلة معايشة يومية للصراع العربي – الإسرائيلي ، والذي انحصر اليوم الى فلسطيني – إسرائيلي على مدى 30 عاماً ، اكتسبنا فيها خبرة عملية ، وقدرة على رسم سياسات ناجحة من شأنها مساعدة جميع اطراف الصراع في تخطي جميع العقبات وصولاً لمنطقة أمنة مستقرة في العالم تنعم بالسلام والازدهار.
خبير ومستشار اردني