فلتكن أوسلو عاصمة للنرويج فقط
في مقاله الأخير في القدس العربي اللندنية، يذكرنا الدكتور مروان المعشر بالذكرى الثلاثين لاتفاقية أوسلو، وقد تدرج بالمنطق والوقائع إلى واقع حال بائس ومؤسف ومسدود.
الكاتب هنا ليس صحفيا ولا محللا يحاصر المعلومات ليعالجها وحسب، بل هو سياسي محترف وأحد شهود العصر على تفاصيل ومفاصل وكان فاعلا في كثير منها طوال مسيرة مدريد وما بعدها من أوسلو ومشتقاتها، مما يضع في مقاله وزنا إضافيا لا بد من الانتباه إليه سياسيا وعلى مستوى إقليمي ودولي، وكثير الكثير من الانتباه الأردني.
كانت أوسلو بكل حمولتها الضربة الباترة لعملية سلمية تنضج بهدوء وعقلانية أكثر في مدريد، ومؤتمر مدريد الذي قام على القرارات الدولية واهمها وأكثرها حضورا قرار 242 شارك فيه الأردن بمظلة مزدوجة مع الفلسطينيين، وكان لكل ذلك دلالاته الواضحة التي كان يمكن البناء عليها ويمكن لنا أن نتخيل العديد من السيناريوهات التي كان يمكن لأقلها حظا أن يكون أفضل بأضعاف من واقع الحال المسدود الذي أنتجته أوسلو.
اليوم – وكما قال المعشر- لم يعد لحل الدولتين منطق حضور إلا كحالة استدعاء يائسة عند مصر، والسلطة التي سيفقد أزلامها كل مكتسباتهم لو قالوا بغير ذلك، والأردن الذي يجد فيه حد الدفاع الأدنى أمام مخططات أكثر خطورة تستهدف الدولة واستقرارها فيه.
في مقاله المكتوب بعقل بارد وواقعية منطقية يقول المعشر فيما يخص الأردن تحديدا:
( .. لم يقدم المسؤول الأردني حتى اليوم حجة متماسكة مقنعة لربط التمسك بحل الدولتين مع هدف منع التوصل إلى حل على حسابه وهو يدرك تماما المطامع الإسرائيلية في الاحتفاظ بالقدس والضفة الغربية ورفضها العملي لهذا الحل. ثلاثون عاما كافية للوصول إلى قناعة لا لبس فيها بأن إطار أوسلو قد مات.).
ولا أعتقد أن المسؤول الأردني يمكن له ان يقر بغير ذلك الذي قاله المعشر، والدعوة إلى مقاربات جديدة ليست جديدة لكنها مهمة حين يدعو إليها أحد شهود العملية السلمية الفاعلين، وتلك المقاربات تحتاج سياسيين حقيقيين يقرأون التاريخ والجغرافيا ولديهم القدرة على الابتكار الأفقي والعمودي معا والأهم أنهم يملكون الجرأة في طرح الأفكار وفتح الحوارات مع الجميع بلا استثناء.
كنت كتبت مقالا قبل فترة قصيرة في زاويتي هنا في الغد عن خلو طبقة السلطة في الأردن من سياسيين، وأنها متخمة بالتكنوقراط ، الذين بطبيعتهم يتلقون الأوامر من "أي فوق" بلا قدرة على النقاش، أو طبقة البيروقراط الذين يتحصنون بالتعليمات قبل القوانين ويتمسكون بها لضبط الواقع ويخشون التغيير.
واقع الحال هذا في صناعة القرار السياسي الأردني لن يخلق حلولا مبتكرة، هي ضرورة حيوية للأردن اليوم، وأي مقاربات مطلوبة خارج "أسطورة حل الدولتين التقليدية" يجب أن تكون مفتوحة على كل الاتجاهات في التفكير والمواجهة، وهو ما يتطلب طبقة سياسيين حقيقية معبأة بالمعرفة ومرنة في التحرك.
هذا غرب النهر الذي تحمل الدولة اسمه، وارتباط الأردن فيه يتجاوز مفهوم خط الحدود المرسوم في ذهنية اليمين الإسرائيلي بطبشور يمكن محوه بسهولة، وبعيدا عن السلطة – منتهية الصلاحية أصلا- فإن الضفة الغربية بكل مقاييس السياسة وعلومها وحقائقها هي مجال حيوي أردني كما ان الأردن مجال حيوي لتلك الضفة وكل من " وما" فيها.