العين السحرية
عبارة معبّرة في أحد النصوص الفنية تقول إنه لا يجوز للجهات الرسمية أو الحكومات أن تنظر للناس على أنهم أرقام أو النظر إليهم عن بعد من خلال العين السحرية التي يضعها البعض على أبواب بيوتهم.
كل من نظر للناس عبر العين السحرية فقد القدرة على التقييم السليم لأحوال الناس، وأي حكومة في أي بلد استبدلت الواقع والمعلومة السليمة عن مواطنيها بالنظر إلى المجتمع عن بعد أو تحويل الناس إلى أرقام كما هي على الآلة الحاسبة ستكون محصلة الحسابات خاطئة، فالناس في أوطانها تتعامل مع الأمور بمعادلة يختلط فيها الانتماء بالحرص مع حاجات الناس لحياة كريمة وغيرها من العوامل، فالمواطن ليس عاملا في وطنه لكنه مالك للبلد يحرص عليه، والوظيفة ليست استئجارا بل وسيلة لكسب الرزق.
طريقة التعامل مع الناس تختلف من نوعية مسؤولين لنوعية أخرى، فالبعض يغرق في شاشات عرض الملخصات والرسوم البيانية ودراسات الشركات القادمة عبر البحار، لكن مع أي أزمة حقيقية يكتشف عجزه عن فهم الناس وعجزه عن الحديث معهم، فتقييم الناس عبر العين السحرية التي على الأبواب أو عبر أرقام واستطلاعات، لا يمكن معه فهم كيف يكون أي مواطن مخلصا لوطنه وقيمه عندما يرفض رشوة رغم حاجته وديونه، ولا يمكن لهذه الطريقة أن تفسر كيف يقبل جندي أن يموت وهو يؤدي واجبه ويغادر الحياة ويترك أطفاله وبيته، فمفهوم الوطنية أو الشهادة أو الأمانة وغيرها من القيم ليس له تفسير في عالم الأرقام وشاشات العرض.
المسؤول المهم الذي ينجح ويبقى أثره في تاريخ بلده هو الذي يدرك معنى مواطن، ويفهم معنى أن يكون الأردني أردنيا، لأنك عندما تخاطبه وتتعامل معه على أساس القيم والهوية تكون تضحيته ويكون تقديره لظروف بلده، لكن عندما يكون التعامل قاصرا ويكون المواطن في نظر البعض موظفا أو عاملا أو أي تعريف إداري أو رقمي، فإن المعادلة تختلف من الطرفين.
الدراسات والتعامل العلمي مع مشكلات أي بلد ضرورة، وإدراك الحاجات والبحث عن الحلول بمنهجية علمية لا غنى عنه، لكن الإنسان وتركيبته وأولوياته لها معادلة أخرى، فالمواطن في بلده ليس لاعبا محترفا في فريق كرة قدم يبحث كل موسم عن عرض أفضل، ولهذا نحيي ذكرى الشهداء ونتوقف عند سيرهم لأنهم لم يكونوا أرقاما ولم يغادروا الدنيا بحثا عن دخل مالي أكبر.
في إدارة تفاصيل الحياة ومساراتها نحتاج إلى لغة الأرقام والدراسات، لكن في فهم الصورة الشاملة لأي مجتمع أو دولة لا يمكن فهم الناس ومنطلقاتهم عن طريق آلة حاسبة أو رسم بياني بلا روح.