صرخات الفنانين الأردنيين: من يسمعها؟
حسين الرّواشدة
حين يصرخ “الفنان” في بلادنا ، تحت وطأة الاحساس بالتهميش والاقصاء، وربما الجوع ايضا، ولا يجد أحدا يسمعه ،او يعتذر اليه عن هذا الإهمال، فمن واجبنا ان نشعر بالخجل من انفسنا، ثم ننتبه الى عمق “الأزمة” التي يعاني منها مجتمعنا، وليس حكوماتنا فقط، فكم لدينا من “الأثرياء” الذين يمكن لهم -بجرة قلم- ان يدفعوا “الملايين” لإنقاذ الفن في بلادنا، لكنهم لا يفعلون، وكم لدينا من المناسبات و ال“مهرجانات” التي ينفق عليها الملايين، مع تغييب الفنان الاردني عنها، يمكن ان تستثمر أموالها لـ” إعادة الحياة” للفن الاردني الملتزم والنظيف.
لا اتحدث ،هنا ،عن الفن الرخيص والثقافة المعلبة، ولا عن الفنانين العابرين ، والمثقفين “تحت الطلب”، وانما عن الفن الراقي والثقافة المنتجة، واهلهما من الفنانين والمثقفين الذين يشكلون “ضميرنا” العام.. فمع تغييبهما تكون “أزمتنا” ازمة خطيرة، لانها تتعلق بتعطل “الضمير” ،وغياب الجمال والأنس، وتشويه الوعي، مقابل صعود الكراهية والعنف ،وبروز القبح والوعي الزائف، والتطرف والعنف ايضاً.
لا يكفي أبداً، ان نعتذر لهؤلاء الفنانين الذين أصبحوا يتسولون “على الرصيف”، ولا ان ندعو الى انصافهم واعادة الاعتبار “لمكانتهم” التي تليق بمجتمعنا، وانما لا بد أن نتحرك على الفور، حكومة ومؤسسات مدنية، وفي مقدمة ذلك نقابة الفنانين التي نعرف امكانياتها المتواضعة، لكي ننقذ هذا القطاع الوطني ، ونعيده الى سابق عهده، حيث كان “منارة” أردنية سامقة ،يعرفها البعيد والقريب.
مع أنني اخشى ان تبقى هذه الصرخات تتردد في فراغ، الا أنني اتمنى على اخواننا الفنانين والمثقفين ان يرفعوا اصواتهم مجددا للمطالبة بحقوقهم، وان لا يتركوا قضية “الفن” تستسلم لقدرها المحتوم، فهم لا يدافعون – فقط – عن اوضاعهم وحقوقهم في الحياة الكريمة، وانما عن “الفن” الذي يعني بالنسبة لهم ولنا “الحياة” الراقية والمؤنسة، كما ان حضوره يعني الدولة المزدهرة ، والمجتمع النابض بالحيوية والجمال..
أما هؤلاء الذين “اغلقوا” لواقطهم عن الاستماع لنداءات “الاستغاثة” التي اطلقها اخواننا الفنانون منذ سنوات، فليست لهم قضية أساسا مع “الفن” ،ولا حتى مع الناس وهمومهم، لأنهم مشغولون بحسابات المال والامتيازات، ولأن كل ما يفهمونه عن “الفن” والإبداع لا يتجاوز حضور حفلة “غنائية” ، من تلك التي " يرش" البعض آلاف الدولارات تحت اقدام نجومها من المطربين.
لكي نفهم اكثر ، يكفي ان نتصور ، كيف يمكن لسياسات احتفت بالحجر ،أكثر من البشر ، ان تقيم وزنا “للفن” ،وان تحترم ذائقة الناس بعد ان حولتهم الى مجرد “افواه” واعداد، أو ان نتصور ايضا هذه العلاقة الطردية بين انحدار اهتمامنا بالفن والإبداع وبين التحولات التي طرأت على مجتمعنا، والقيم الجديدة التي نشأت وترعرعت في ظل مناخات " التفاهة" ، حيث تراجعت قيم النظافة والذوق الرفيع ،وقيم الوطنية السامية ،لمصلحة قيم الشطارة والنهب والتزلف، ولو اعدنا الذاكرة ، فقط ، لحقبة السبعينيات وحتى منتصف الثمانينيات لاكتشفنا عمق هذه التحولات الاجتماعية والثقافية التي ولّدت “فجوة” الانفصال بين الفن والإبداع ،كمشروع في خدمة الدولة ، وبين ما انتهى اليه كفائض عن الحاجة بعد ذلك.
بصراحة ، ما حدث “للفن” ، وكذلك للثقافة والإبداع، لم يكن صدفة، صحيح أن أهل “الفن” ابتلعوا حسرتهم طيلة السنوات الماضية ربما انتظارا للفرج، هذا الذي لم يأت بعد، لكن الصحيح ايضا ان ادارات الدولة المعنية ، لم تلتفت اليهم، حتى حين اشهروا، قبل سنوات، اعتصامهم ومبيتهم في “الشارع” وربما اضرابهم عن الطعام، واخشى ما اخشاه ان لا يجدوا الآن بديلا عن تكراره.