بحجة “الأمن القومي”.. كيف تسعى إسرائيل إلى ترسيم حدودها من جديد؟
زيد إسليم
أثارت تغريدة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، يوم الأحد الماضي 27 أغسطس/آب، عبر حسابه على منصة X، تفاعلاً كبيراً في الأوساط السياسية والدولية، إذ توعد ببناء سياج على الحدود مع الأردن، مستحضراً تجربة إسرائيل في إقامة سياج مماثل على الحدود مع مصر في ديسمبر/كانون الأول 2013، وكيف عملت على إيقاف التسلل عبر الحدود الجنوبية لإسرائيل.
لم يكن هذا التصريح هو الأول لنتنياهو حول الحدود الإسرائيلية – الأردنية، إذ يأتي تكراراً لتصريحات سابقة خلال العقد الماضي، والتي بدأت في عام 2012، حينما أمر مسؤولي الجيش الإسرائيلي ووزارة الدفاع بالبدء في التخطيط لهذا المشروع.
في عام 2015، قام نتنياهو بالترويج لبدء بناء سياج مزود بأجهزة استشعار على الحدود الجنوبية مع الأردن، كجزء من استراتيجيته لضمان "الأمن القومي لإسرائيل"، ليعلن عام 2016، عن تصميمه لـ"إحاطة دولة إسرائيل بأكملها بسياج"، إلا أن عوائق مادية حالت دون تنفيذه المشروع. وكانت إسرائيل قد خصصت مبلغ 300 مليون شيكل (88 مليون دولار) لجزء صغير من الحدود بالقرب من مدينة أم الرشراش "إيلات"؛ ما يعني أن المشروع الذي يغطي الحدود الأردنية بأكملها من المرجح أن يكلف مليارات الشواكل.
في السياق نفسه، اليوم، تثير تصريحات بنيامين نتنياهو تساؤلات حول الأهداف والغايات المحتملة، إذ قال مسؤولون في الجيش الإسرائيلي في وقت سابق إن السياج الحدودي الحالي بين إسرائيل والأردن، والواقع على مسافة 308 كم، يكفي لمنع معظم محاولات تهريب الأسلحة والتسلل من الأردن لإسرائيل. إذاً إلى ماذا يسعى نتنياهو؟
يُرجع رئيس الوزراء الإسرائيلي تصريحاته عن بناء سياج حدودي مع الدول المجاورة إلى تمسك إسرائيل بحقها في اتخاذ الإجراءات الأمنية المناسبة لحماية نفسها من عمليات تهريب السلاح والتسلل نحوها، إذ تأتي هذه التصريحات في أعقاب تقارير وسائل الإعلام الإسرائيلية التي كشفت عن وقوع حوادث تهريب وتسلل خلال الفترة الأخيرة، لاسيما بعدما كشفت عن عملية تهريب أسلحة وتسلل نفذها 7 أشخاص من الحدود الأردنية الشهر الماضي، بالإضافة إلى الإعلان عن محاولة غير مسبوقة واستثنائية -على حد وصف الصحافة الإسرائيلية- لتهريب أسلحة عبر الحدود الأردنية الإسرائيلية في منطقة الأغوار، الأسبوع الماضي.
تعود بنا هذه الادعاءات الأمنية إلى عام 2002، حين اتخذت إسرائيل مثليتها سابقاً كذريعة للتصديق على إقامة جدار الفصل العنصري في الضفة الغربية، بطول 710 كم، ليمر ما يقارب 85% منه في عمق الضفة الغربية والباقي على الخط الأخضر (حدود عام 1967)؛ ما أدى إلى ضم 9.4% من مساحة الضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية.
وكذا الحال في قطاع غزة، فمنذ عام 2000، فرضت سلطة الاحتلال الإسرائيلي منطقة مقيدة الوصول لها (منطقة عازلة) قرب الحدود الشرقية والشمالية لقطاع غزة، حيث وضعت المنطقة الممتدة من 500 إلى 1000 متر بجوار السياج الحدودي مع قطاع غزة منطقة "عالية الخطورة"، حيث تعطي إسرائيل هناك نفسها الحق في مُختلف أشكال الاعتداءات على المزارعين الفلسطينيين، بدءاً من التوغل والتجريف، وانتهاءً بإطلاق النار، ما أدى إلى تجريف 35% من إجمالي مساحة الأراضي المزروعة في قطاع غزة، و15% من إجمالي مساحة القطاع البالغة 365 كم مربع.
بينما قدمت لبنان اعتراضاً لدى المحكمة الدولية عام 2017 بشأن إقامة إسرائيل سياجاً حدودياً يمر بأراضيها، مشيرة إلى أن إسرائيل تتذرع بالدواعي الأمنية دائماً من أجل السيطرة على 13 نقطة حدودية تسيطر عليها لبنان بموجب القرار الأممي 1701.
في ظل التقنيات التكنولوجية المتطورة التي تملكها إسرائيل على الحدود والرقابة الإسرائيلية الأردنية المتواصلة لها، يأتي ربط إسرائيل لعمليات تهريب الأسلحة والتسلل وعمليات المقاومة المتزايدة بالضفة الغربية بضرورة إنشاء سياج حدودي مع الأردن؛ أمراً غير منطقي.
لذلك، يمكن القول ببساطة، إن الحجج الأمنية ما هي إلا محاولة إسرائيلية للتبرير أمام المجتمع الدولي لعملية ابتلاعها مساحات أكبر في الضفة الغربية، وخطة تسعى من خلالها لإنهاء حل الدولتين وحدود الدولة الفلسطينية الشرقية، والسيطرة الكاملة على غور الأردن. فإسرائيل هي كيان أطماع يبني طموحاته وسياساته على أساس التوسع والتهام الدول المجاورة، وليس فلسطين وحدها.