روزنبرغ إذ يتراجع
في أيلول من عام 2022، وقف جلالة الملك أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة لإلقاء كلمة الأردن. الملك أطلق زلزالا مدويا عندما أعلنها على رؤوس الأشهاد أن المسيحية وكنائسها بالقدس في خطر وتحت التهديد، وأن المسيحيين في تناقص في المدينة المقدسة، مؤكدا ضرورة الحفاظ على الوجود والهوية المسيحية في القدس والمنطقة لأنهم جزء أصيل من الإرث والتاريخ والماضي ولا بد أن يكونوا جزءا من المستقبل. إنذار جلالة الملك قض مضاجع كثيرين؛ أولا، لأنه الملك عبدالله الثاني بكم المصداقية الكبير الذي راكمه في عواصم العالم المؤثرة، وثانيا، لأنه صاحب الإرث الهاشمي حفيد الرسول بكل ما يحمله ذلك من معاني المشروعية الدينية والتاريخية، وثالثا، لأنه وأجداده من استقبل المهجرين المسيحيين من أرمينيا والعراق وغيرهما وحموهم قبل ذلك على مر التاريخ منذ العهدة العمرية في القدس، ورابعا، لأنه ملك أثبت فعلا لا قولا التزامه بالسلام والتعايش وإحقاق رؤية أن تكون القدس مدينة الوئام والسلام لا التناحر والاقتتال. الملك بما قاله وقف بوجه صناعة دينية تقدر بعشرات المليارات لدعم الوجود المسيحي بالقدس ليقول لهم إنهم لم ينجحوا وإن المسيحية في خطر، وهذا أثار حفيظتهم فأطلقوا النيران على أطروحة الملك، وكان أشهر من فعل ذلك أحد أقطاب الطائفة الإنجيلية المعنية بالمسيحية بالقدس جويل سي روزنبرغ. اليوم يتراجع روزنبرغ ويقول إن جلالة الملك كان محقا في كل ما قاله في إثبات جديد على مصداقية واحترافية وثقل جلالة الملك السياسي والعالمي.
منذ أن قال جلالة الملك ما قاله في الأمم المتحدة، كنت جازما أنه القول الحق، لأنني أعرف بلدي وأعرف مصداقيتها واحترافيتها، وما كان لهذا الكلام الكبير والحساس أن يصدر عن الملك لولا أن هناك تقييمات موضوعية احترافية لما يحدث بالمدينة المقدسة. هذه ليست المرة الأولى التي يقول الأردن كلامه الصادق الذي يصدم العديد ثم يعودون ليقبلوه وينتظموا خلفه. حدث هذا في السابق في الحرب على العراق 2003 عندما حاول الأردن أن يقول لإدارة بوش الابن إن اليوم التالي لهذه الحرب سوف يكون وبالا على الأمن والاستقرار الإقليميين، وحدث هذا عندما قلنا إن الحرب في سورية ستكون طويلة وممتدة ولن تحسم لا في أسابيع ولا في أشهر، ويحدث هذا الآن عندما نقول إن اضمحلال حل الدولتين بديله دولة واحدة عنصرية ضد شعب بأكمله. إنها المصداقية والاحترافية الأردنية في التقييم والتقويم، وهذا ما أكسب الأردن وملكه هذا الكمّ الكبير من التأثير في دوائر العالم المختلفة.
القدس ومسيحيوها في خطر نعم، وإسرائيل بذهابها المستمر نحو اليمين المتشدد تخسر من دعم العالم وتعاطفه، والأردن عندما يحذر من خطر أطروحات اليمين، وينبه لخطورة تجاوز حل الدولتين إنما يقف على الجانب الصحيح من التاريخ، ويدرك أن العالم سوف ينتظم خلف تقييماته وأطروحاته.