هل نحن أغنياء أم فقراء؟
نحن أمام حالة غريبة تثبت نشوء طبقية اقتصادية واجتماعية واضحة في البلد، ونحن لم نعد أمام الأردن الذي تتقارب طبقاته الاجتماعية اقتصاديا.
هذا هو الواقع، وحين نقرأ مثلا البيانات الرسمية فهي تشير إلى ارتفاع الإنفاق السياحي في الخارج خلال شهر 7 من عام 2023 بما نسبته
13.1 %، مقارنة مع ذات الشهر من عام 2022، ليبلغ 171.2 مليون دينار أي 241.5 مليون دولار، أما خلال السبعة أشهر الأولى من عام 2023، فقد حقق الإنفاق السياحي في الخارج ارتفاعاً بنسبة 37.9 % بتسجيله لما قيمته 813.2 مليون دينار أي 1,147 مليار دولار.
أكثر من مليار دولار ينفقها الأردنيون على السياحة الخارجية خلال 7 أشهر، أي أن الرقم قد يصل إلى أكثر من ملياري دولار مع نهاية العام الحالي 2023.
هذا رقم سيقول لك إن المجتمع مزدهر ماليا، وينفق بلا حساب، ولديه أموال، وإن كل الضجيج الذي نسمعه مجرد شكوى وأنين وتجارة في الهموم الصغيرة والكبيرة.
بالمقابل تقرأ تقريرا صادرا عن البنك الدولي مطلع الشهر الماضي تحت اسم "أطلس أهداف التنمية المستدامة للعام 2023"، ويشير إلى أن عدد الفقراء في الأردن يقدر بحوالي 3.980 مليون شخص، أي قرابة 4 ملايين شخص، 35 بالمائة من السكان، من أصل 11.3 مليون نسمة، ووفق المعطيات التي كشفها التقرير فإن ثلث الأردنيين فقراء، إذ إن خط الفقر للفرد الواحد يقدر بـ168 دينارا شهريا مقارنة مع 100 دينار العام 2018.
وفي تقرير اقتصادي تحليلي ومتزامن منشور هنا في "الغد" في وقت سابق، أشير إلى أنه قد يكون للأحداث التي شهدها العالم في السنوات الخمس الماضية من جائحة كورونا، والصراع الروسي الأوكراني وما نجم عنه من مد تضخمي أثر على أسعار الغذاء في العالم، دور واضح في هذا الارتفاع الملحوظ لمعدلات الفقر.
مطالعتنا هنا تتقصد الكلام عما تقوله الأرقام من تناقضات اجتماعية واقتصادية، فالطبقة الميسورة لديها المال وتنفق على التعليم والصحة والسفر، كما في نسبة الذين ينفقون على السياحة الخارجية، وأكثر من ثلث السكان والمواطنين بالمقابل يعانون من الفقر، وهناك كتلة عائمة في المنتصف، تحاول الصعود نحو الطبقة الأعلى، أو الصمود في الطبقة الوسطى، وهي تتأرجح كل فترة بسبب عوامل كثيرة، وهناك طبقة تم حسم أمرها فهي فقيرة، وإمكانات إعادة تأهيلها ونهوضها تبدو منخفضة.
يأتي زوار كثر إلى الأردن والكل يكرر ذات الانطباع، بالقول كيف تشتكون من الفقر وكل هذا الزحام والسيارات الفخمة، والمطاعم التي لا تجد فيها مكانا، وغير ذلك من مظاهر من تسجيل الشقق والعقارات والأراضي، والاقتراض لغايات الإنفاق، والمظاهر الاستهلاكية من جهاز الخلوي، وصولا إلى أرقام النمو في التصدير والمصارف وبعض القطاعات، وهذا الكلام سطحي وانطباعي جزئيا، لأنني كما أشرت هناك كتلة ميسورة ماليا، وهناك كتلة عائمة ما تزال فيها روح الحياة والقدرة على الإنفاق، مع مليون مغترب أردني يموّلون كثيرا من النفقات العائلية في الأردن.
ما يمكن قوله استخلاصا هنا أن هناك طبقية واضحة، وهذا ما وصلنا إليه اقتصاديا واجتماعيا، ولكل طبقة سماتها وطريقة إنفاقها، ومظاهرها الخاصة بها، وليس من العدل أساسا، سحب استنتاجات حول من يستطيعون السفر للسياحة مثلا، على أكثر من خمسة وثلاثين بالمائة من السكان والمواطنين لا يجدون طحينا في معاجنهم.
هذه التشكيلات الاجتماعية موجودة في دول كثيرة، لكن خطورتها هنا أنها تؤسس لفروقات حادة بين الناس في مجتمع صغير أصلا ويعرف بعضه البعض، وهي فروقات نراها حاليا على مستوى التعليم المدرسي والجامعي، وأين يدرس أبناء كل فئة – إن جاز هذا التعبير- فيما يبقى علينا التحذير من كلفة هذه الاختلالات، والتغيرات، على الصعيد الاجتماعي، حتى لا نصحو بعد سنوات طويلة ولدينا طبقة ارستقراطية معزولة فقط، وطبقة شغيلة كادحة، وطبقة معدمين، بما يعنيه ذلك من كلف اجتماعية على صعيد الوئام والجريمة، وغير ذلك، مما يعني أن إعادة تصحيح الاختلالات، أمر لا بد منه على مستويات كثيرة في هذه البلاد.