‏لمَن تُصفّق الجماهير أكثر؟!

{title}
أخبار الأردن -

‏حسين الرواشدة 

‏لماذا يحظى بعض اخواننا الفنانين والمطربين ،لاسيما إذا كانوا من خارج البلد ،بالحفاوة والاحترام ، أكثر مما يحظى العلماء والمثقفون، أساتذة الجامعات وكبار السياسيين والإعلاميين،  وغيرهم من قادة الرأي والفكر والزعامات الاجتماعية الوطنية؟  بصراحة لم اجد أي إجابة مقنعة،  قلت : اللهم لا حسد ، ربما يستحق هؤلاء ذلك،  أو ربما يجدون جماهيرا من المعجبين ترفعهم فوق الأكتاف ،وتصفق لهم بحرارة، أو ربما تطوّعت بعض الجهات الرسمية لاستقبالهم ، وتوفير ما يلزم منه "مواكب"، تُشيّعهم بالترحاب والتكريم.

حاولت أن افهم اكثر ، هل الاحتفاء ينصرف نحو الفنون النظيفة ،بما تمثله من قيمة إنسانية ووجدانية،  وبما تشكله من رافعة لقضايا الناس والوطن،  ام انه ينصرف لأشخاص محددين اكتسبوا الشهرة ، حتى وإن افتقدو  القيمة الفنية والاخلاقية؟  حين دقت بواقع الفنون وأصحابها في بلادنا ، أدركت -تماما - ان ما نفعله لا يتجاوز حدود "التسطيح " لأولوياتنا ، نحن أهملنا الفنون الوطنية ،  ونغطي على تقصيرنا بصور مغشوشة ومنتقاة ، نحن قدمنا هذ النماذج كملهمين لابنائنا ، فأصبحوا قدوات لهم، نحن طردنا صناع الثقافة والفكر والزعامات التي تمثلنا حقيقة ، ولم نُقدّر ،كما يجب ، شهداءنا وأبطالنا الحقيقيين  ، واستبدلناهم بآخرين ، لان كثيرين منا  يرون فيهم انفسهم ، ويتمنون لو كانوا مثلهم. يا خسارة!

‏حين  تشوهت الذائقة العامة في مجتمعنا ،وتراجعت مساطرها و معاييرها ،حصل ذلك وأكثر منه،  ارجو -فقط - أن نلوم انفسنا ، فنحن ،كمجتمعات ، مسؤولون عن اختياراتنا وانحيازاتنا واعجاباتنا ، نحن يمكن أن نصنع التفاهة،  ونحن ،أيضا ، يمكن أن نطردها ،ونصنع بدلا عنها الجدية واحترام القيمة، وتقدير المؤثرين والملهمين الحقيقيين ، لا تستطيع الإدارات الرسمية ،مهما  حاولت وفعلت ، أن تجبرنا على التصفيق لنجوم من كرتون ، او التدافع لشراء تذكرة بأسعار خيالية لمطرب عابر للسخافات ، فيما لا يتحرك الا القليل القليل منا لحضور ندوة ثقافية ، أو أشهار إنجاز علمي،  او تكريم من أفنى عمره في خدمة البلد.

‏ما قد تصرّ الحكومات والإدارات أن تفعله ،بما لا يعجبنا، يمكن للمجتمعات ،متى امتلكت الوعي والإرادة،  أن ترفضه وتبحث عن بدائل له ، صحيح هذا لا يعفى الرسميين من مسؤولياتهم،  لكنه يضع المشكلة في الزاوية الحقيقية ،أقصد المجتمع ، نحن ، لا الآخرين ، من يقف على المدرجات بالآلاف لتشجيع الطرب واللعب ، ولا نتحرك للانتصار أو الدفاع عن مظلوم ، أو الاحتفاء بمبدع حقيقي، أو الانحياز لفنان قدم لنا زهرة حياته، ثم ادركه العوز ، فتحول إلى متسول للحصول على رغيف الخبز ، نحن الذين  دخلنا اللعبة ، ثم قبلنا النتيجة ،وانصهرنا فيها ، وأصبحنا مجرد خادم لها،  وإن كنا ننتقدها أحيانا ، او نرفضها بالعلن.

‏إذا أردت أن تحكم على مجتمع ، اي مجتمع، انظر فقط لمن يتقدمون الصفوف ، دقق بقائمة "كبار البلد"،  أسأل لمن تقام المهرجانات ومن يحظى فيها بالتكريم ، وإذا امكن أن تسير في جنازة عالم كبير، فلا تنسى أن تحصي إعداد المشيعين ، ستكتشف، كل مرةً ، أننا فعلنا بأنفسنا أسوأ مما فعلته بنا الإدارات الرسمية ، وأن التغيير ما لم يمر بأنفسنا ومجتمعاتنا فإنه لن ينزل علينا بالبراشوت ، ستكتشف ،أيضا،  أن "التفاهة "احكمت علينا قبضتها،  و إن "الفرجة" شكّلت صورة مجتمعنا ، و أفرزت منا أرخص ما فينا ، ستكتشف ،ثالثا ، أننا مازلنا نعاني من "الشيزوفرينيا" و النفاق الاجتماعي ، و أننا جلادون وضحايا معا ..

تابعونا على جوجل نيوز
تصميم و تطوير