الثعلب فريدمان يبعث برسائل!
الكاتب الأميركي المعروف، توماس فريدمان، يبعث، من خلال مقال نشره بصحيفة “نيويورك تايمز”، مؤخرًا، برسائل عدة، أو إشارات، منها ما هو موجه إلى دولته (الولايات المُتحدة الأميركية)، ومنها ما هو موجه إلى دولة الاحتلال الإسرائيلي، والثالثة إلى الدول العربية، وخصوصًا تلك المُكتوية أكثر من غيرها بنيران إرهاصات آلة البطش الصهيونية، وما تقترفه بحق البشر والشجر هناك في أرض فلسطين المُحتلة.
فريدمان الثعلب يلبس لباس الواعظين، عندما يدعو في مقالته تلك، إلى “إعادة” تقييم العلاقة بين الولايات المُتحدة و”إسرائيل”، والسبب كما تجود به قريحته هو إصرار حُكومة الاحتلال، بقيادة بنيامين نتنياهو، على المضي قدمًا في مشروع “الإصلاح القضائي”.. وهذه هي الرسالة الأولى.
كغيره من الأميركيين، خصوصًا أولئك من يمتلكون القرار، لم يرمش لهم جفن، ولم تغَر إنسانيتهم، ولم تتحرك أخلاقهم، إن وجدت، على ما اقترفه الاحتلال الإسرائيلي بحق الشعب الفلسطيني الأعزل، على مدار سبعة عقود ونصف العقد، ذاق فيها الفلسطينيون الأمرّين، من قتل لم يميز ما بين طفل رضيع، شيخ كبير، امرأة ثكلى، أو شاب يافع، واحتلال أراض، واقتلاع وتدمير بيوت من أساسها، واغتصاب أعراض يندى لها الجبين، واعتقالات لم تفرق بين عجوز أو طفل أو أم حامل أو مريض سرطان.
لم يُعر فريدمان، كل ذلك أي اهتمام، إلا أنه، وسبحان الله، مُهتم جدًا بموضوع الإصلاح القضائي في دولة الاحتلال، ويربطه بأن هُناك من يرغب من المُستوطنين اليهود بإبعاد “المحكمة العُليا” عن الطريق، وكذلك الأرثوذكس المُتشددون.. ووصل إلى درجة من الإنسانية بأن قال “إن إسرائيل ستتراجع إلى ديكتاتورية فاسدة وعنصرية ستؤدي إلى انهيار المُجتمع، وتعزل الدولة، وسينتهي الفصل الديمقراطي من تاريخ إسرائيل”، وكأنها الآن ليست بعنصرية أو دولة مارقة.
أما الرسالة الثانية، والموجهة إلى بلاده وفي الوقت نفسه إلى “إسرائيل”، تتمثل بالتلويح بـ”تقويض” المصالح المُشتركة بين واشنطن و”تل أبيب”، في حال استمرار الاحتلال بالمضي قدمًا بما بات يعرف بـ”الإصلاح القضائي”.
كما أن فريدمان قام بالتلميح إلى ما قدمته الولايات المُتحدة من مُساعدات لدولة الاحتلال، والتي بلغت قيمتها 146 مليار دولار منذ الحرب العالمية الثانية.. وهو ما جعله يستجدي الاحترام لرئيس بلاده جو بادين، من المُتطرف وزير الأمن القومي الإسرائيلي إيتمار بن غفير، بالقول إن “هذا الرقم كبير، ربما يجعل الرئيس الأميركي أكثر استحقاقًا للاحترام من بن غفير، الذي أدين في شبابه بالتحريض على العنصرية ضد العرب”.
الرسالة الثالثة، والموجهة إلى الدول العربية، تؤشر بطريقة أو بأُخرى إلى أن “حل الدولتين”، أصبح في خطر حقيقي، وكأنه بات بلا معنى، أو تلاشى، فـ”حُكومة نتنياهو تتصرف كما لو كانت الضفة الغربية هي إسرائيل”، حسب الكاتب الذي يدعي زورًا وبُهتانًا بأن بلاده “كانت تعتبر بأن الاحتلال الإسرئيلي للضفة الغربية مؤقت. لذلك كانت دائمًا تدافع عنه في الأمم المُتحدة ومحكمة العدل الدولية”.
العرب بشكل عام، والأردن بشكل خاص، ومن قبلهم الفلسطينيون، أمام مشكلة حقيقية الآن، فحتى الأميركيون يقرون بأن ذلك يُهدد استقرار المنطقة، فضلًا عن أن الدول العربية الماضية في التطبيع مع “إسرائيل” قد تتراجع.. وكأن فريدمان يريد أن يحمي إسرائيل، لا بل ويدافع عنها، ولكن بطريقة أُخرى، ويحذرها من مغبة فعلتها تلك، وذلك لمصلحتها فقط، دون المصالح الأُخرى.
نقطة أخيرة ذكرها الكاتب فريدمان، تتمحور حول قيمة المُساعدات الأميركية إلى الاحتلال الإسرائيلي، والتي تدعو إلى الاستغراب والاستهجان، فهل يعقل بأن واشنطن مدت “إسرائيل” خلال ثمانية وسبعين عامًا فقط بـ146 مليار دولار، أي ما قيمته 1.87 مليار دولار سنويًا فقط؟.