قوة المبادرة في تفعيل الإصلاح

{title}
أخبار الأردن -

مالك العثامنة

كنت من الحاضرين في لقاء رئيس الوزراء الدكتور بشر الخصاونة مع طلاب جامعات الجنوب في حوار مفتوح جرى في جامعة مؤتة.

لم أكن من المدعوين رسميا، لكنني بادرت بالذهاب بعد أن حدثني الصديق الدكتور مهند المبيضين عن تكليفه بإدارة الحوار في الكرك، والرغبة كان منطلقها الأساس فكرة قديمة عندي أؤمن بها تتعلق بالكرك نفسها، أنها المدينة الأكثر تسييسا وعمقا معرفيا في تاريخ الدولة الأردنية، طبعا غير محبتي للمدينة التي تشكل أول الوعي عندي فيها مطلع التسعينيات.

ليس سهلا أن يجتاز سياسي أردني حتى لو كان رئيس حكومة "امتحان الكرك"، وبصراحة استطاع رئيس الوزراء الأردني اجتياز الاختبار، بقناعتي الشخصية، فدخل الكرك وخرج منها من دون أي إصابات، كان يتعرض لها في مناسبات "معلبة" سابقا.

نعم، كانت هناك أسئلة جاهزة باسم الطلاب، تم تكديسها بحزمة أوراق في يد الدكتور المبيضين وقد رماها على الطاولة وأخذ قراره المباشر "كمبادرة منه" بأن تكون الأسئلة حية وباختيارات عشوائية مباشرة لا على التعيين.

الرئيس، في تلقيه للأسئلة التي كانت سياسية بأغلبها أيضا، قرر قبول التحدي، وقد أدرك أن الأسئلة المعلبة في لقاءات سابقة لها تداعياتها الكارثية أمام جيل ذكي ومنفتح، فتحدث بأريحية وأخذ المبادرة بملاحقة الأسئلة الصعبة وعدم تجاوزها. هذا كلام لن يعجب كثيرين ممن ينتظرون الهجوم لمجرد الهجوم على رئيس الوزراء وحكومته، وفعليا بدأت بعض العناوين بالظهور وتتحدث عن تهرب الرئيس من أسئلة ساخنة، وأنا كنت حاضرا ولم أجد منه هروبا من أي سؤال، بل لاحق حتى الأسئلة ومن سألوها بأسئلة وتعقيبات عملت على إثراء مجمل الحوار.

كل القصة في الأردن تكمن في المبادرة، أن يتخذ أحد المبادرة ويتقدم بها، وهذا ما حصل في حوار الكرك في جامعة مؤتة؛ حيث كانت مبادرة المبيضين بفتح الحوار بالأسئلة المفتوحة، ومبادرة الرئيس بتلقي التحدي والتحدث بأريحية لم أعهدها في مقابلات سابقة له، ومبادرة الطلبة وهم في تبرعم الوعي عندهم يحملون آمالهم وأسئلتهم وعفويتهم ويبحثون عن إجابات مقنعة.

في سياق حديث رئيس وزراء المملكة الأردنية الهاشمية، سمعته يتحدث عن ضمانات الحكومة بعدم التعرض لأي شخص يريد ممارسة العمل الحزبي، بل تشجيع الطلاب على ذلك، وأشار بسرعة متعمدة، لكن بدهاء، إلى أن هناك تفكيرا بأن تكون أحد شروط المكرمة الملكية الانتساب إلى الأحزاب (وهذا كلام مهم يتطلب صحافة حقيقية تبحث عن مزيد من المعلومات بدلا من تنشيط عبث المناكفات).

في حديثه، كرر رئيس الوزراء ما مفاده أن مدير المخابرات العامة أكد دعم التحديث السياسي. والحقيقة أنني حين التقيت مدير المخابرات العامة في ذروة اجتماعات لجنة تطوير وتحديث المنظومة السياسية في مكتبه في حوار طويل، سمعت منه هذا الحديث الذي أكده الرجل فيما بعد بلقاء مع رؤساء تحرير الصحف والكتاب.

طبعا، الملك وهو رأس الدولة وراعي كل فكرة الإصلاح السياسي، بادر بتوثيقها في أوراقه النقاشية، ثم أطلق مبادرة الدولة كلها في الإصلاح السياسي، وقد أكد في كل لقاءاته حول الموضوع ضمان حرية الانتساب للأحزاب وتوجيه كل طاقات الدولة في هذا المجال لتشجيع الشباب على الحياة الحزبية، وفي شباط (فبراير) من العام 2021، كان الملك مبادرا بتوجيه رسالة إلى مدير المخابرات العامة تحدث فيها بلغة رأس الدولة ومؤسساتها بما نصه، وأقتبس هنا:

"...فإنه يتعين على هذه المؤسسات والجهات أن تتصدى فورا لاختصاصاتها الدستورية والتشريعية الأصيلة هذه، لتتحرر دائرة المخابرات العامة من العبء الكبير الذي نهضت به، مضطرة ومشكورة ومدفوعة بالحرص العميق على بلدنا الغالي، في هذه المجالات الخارجة عن اختصاصاتها، لسد الثغرات، ولكي تتفرغ للعمل الاستخباري المحترف بمفهومه العصري الشامل".

ما دام الأمر كذلك، فإنني لا أرى مانعا أن تبادر دائرة المخابرات العامة مبادرة فاعلة ومباشرة وصريحة تخاطب فيها الشباب الأردني مثل كل المسؤولين المعنيين بعملية الإصلاح وتقدم لهم الضمانات والتطمينات مباشرة.

كل ما يحتاجه الأردن في هذه المرحلة، المبادرة، وهي كافية لأن تصنع ما يراه البعض مستحيلا.

تابعونا على جوجل نيوز
تصميم و تطوير