أوضاع الأردنيين.. الصمت أفضل!
«لم يبق عندي ما يبتزه الألم
حسبي من الموحشات الهم والهرم»
هي كلمات من قصيدة طويلة للشاعر العربي الراحل محمد الجواهري، نستطيع اسقاطها على أوضاع الأردنيين اليوم.
الناظر في وجوه أكثرية المواطنين الأردنيين، يخرج بنتيجة حتمية مفادها أنهم أصبحوا أجسادًا بلا أرواح، فكُل مواطن بات جسده مُنهكًا من كثرة الضربات التي يتلقاها، فما يكاد يستجمع قواه جراء تلقيه إحدى الضربات، حتى تأتيه أُخرى تصرعه لفترة غير وجيزة.
أكاد أجزم بأن كُل بيت أردني، أحد أفراده عاطل عن العمل، إن لم يكن اثنين أو ثلاثة منهم، فضلًا عن أن ربّ الأُسرة بالكاد يستطيع تأمين قوت يومه وأسرته، حتى أولئك الموظفين أو المُتقاعدين، لا يكاد راتبه يكفيه لعشرة أيام أو يزيد على ذلك قليل.
قبل فترات قريبة، كان الأردني يوسم بأنه كثير الشكوى والتذمر، وأنه اعتاد على ذلك حتى صار نهج حياة بالنسبة له، أما الآن وعلى الرغم من أن وضعه المعيشي والمادي أصبح أكثر صعوبة وشقاء، إلا أنه لم يعد يبث شكواه لأحد، وأصبح يكتم ذلك داخل جسده، وكأن لسان حاله يقول «الضرب بالميت حرام».
لم يبق عند المواطن أي نقطة يستطيع من خلالها التعايش أو التغلب على مصاعب الحياة، او الانطلاق منها مُجددًا نحو بر الأمان، فهو لا يكاد يفيق من الآثار السلبية القاتلة لقرار ما، حتى تباغته الحُكومات بإجراء جديد، أو سياسية مُعينة، تضربه في مقتل.
هرم، هم، حزن، فقر، بطالة.. تلك مُفردات باتت السمة الأساس للكثير من الأردنيين، الذين تراهم يمشون على الأرض وكأنهم بلا دافعية أو أهداف، فالهم الأول والأخير لكُل مواطن هو تأمين لقمة عيش، يسد به رمقه وأفراد عائلته.. وفي حال تعرض أحدهم لوعكة صحية أو أجبره داء على إجراء عملية جراحية، فإنه يضرب أخماس بأسداس، حتى يستطيع تأمين ذلك العلاج أو تكاليف التدخل الجراحي.
الكثير من الكتاب والصحفيين أبدعوا في تسليط الضوء على مُعاناة المواطن الأردني، ولكن للأسف بلا أي نتائج تُذكر على أرض الواقع، من قبل الطرف الآخر.. والخوف كُل الخوف أن يصل المواطن إلى نقطة يصعب معها العودة إلى ما كان عليه سابقًا، فعندما يُصبح الشخص يتمنى أو يأمل بأن تعود الأيام الخوالي، على علاتها وأوجاعها ومُنغصاتها، فإننا حتمًا أما مُصيبة كبيرة، على عينيه غشاوة كُل من لا يراها!.
نتمنى أن يمتلك المسؤولون إرادة وإدارة حقيقيتين، لتوظيف موارد البلاد على أحسن وجه. ما الذي ينقص المسؤولون من أن يُحسنوا صُنعًا لتسويق «اليوارنيوم» الموجود في الأردن، والذي يدر أموالًا ليست بسيطة أبدًا.. ما هو المانع من استغلال الصخر الزيتي، ورمال السليكا، والبازلت، فضلًا عما يمتلكه الأردن من طاقة الرياح والشمس.
تلك موارد لو أُحسن استغلالها على الوجه الصحيح، والعمل عليها بشكل جدي، لكنّا الآن في مصاف دول مُتقدمة.. لماذا لا نُقدم على خطوة مثل تلك، خصوصًا بأنه لدينا من الكفاءات والخبرات، بالإضافة إلى الثروة العلمية والشبابية، ما يكفي لإدارة موارد، تستطيع النهوض بالبلاد وتقدمها.
أخشى أن ينطبق علينا قول الفيلسوف والكاتب الروماني إميل سيوران: «أربعون ألف سنة من لغة الإنسان، ولا يُمكنك أن تجد حرفًا واحدًا يصف الشعور الذي بداخلك تمامًا»، ونحن نمتلك الكثير من الموارد ولكن لا نستطيع أن نُديرها.. وهُنا ينطبق علينا قول الجواهري «فالصمت أفضل ما يطوى عليه فمُ».