الشباب الأردني ... الدين والنأي عن السياسة

{title}
أخبار الأردن -

تستأهل الأرقام والمؤشّرات التي أعلنت عنها دراسة مؤسّسة فريدريش أيبرت الألمانية، أخيرا، القراءة والتحليل والنقاش، وقد شمل الاستطلاع قرابة ألف شاب أردني، وتناول بالإضافة إلى الأردن دولا عربية عديدة، ويأتي بعد قرابة خمسة أعوام من الدراسة الأولى التي أجرتها المؤسّسة على الدول نفسها، وصدرت بكتاب بعنوان Coping with Uncertainty (فيما جاء عنوان الترجمة العربية: مأزق الشباب العربي).

من الواضح أنّ حالة "عدم اليقين" والقلق والشكوك حول المستقبل لا تزال تهيمن على النسبة الكبيرة من الشباب. ولعلّ إحدى النتائج الصادمة لدى الشباب الأردني (إذا تجاوزنا الهم الاقتصادي الذي يحيق بغالبية الشباب) تتمثل في أنّ الغالبية منهم يرون أنّ الوضع السياسي في حالة تدهور في الخمسة أعوام الأخيرة. بالرغم كذلك من أنّ هذه الفترة شهدت "طفرة" كبيرة في اهتمام الدولة بإدماج الشباب سياسياً واستدخالهم في العمل العام والحزبي، وهو الأمر الذي لم تظهر نتائجه في هذا المسح. وربما يكون الأمر مرتبطاً بأنّ الاستطلاع أجري في المرحلة الأولى من التحوّل الرسمي في مجال انخراط الشباب في العمل الحزبي بين سبتمبر/ أيلول ونوفمبر/ تشرين الثاني 2021).

تظهر الجفوة بين الشباب والعمل السياسي أيضاً في مجالاتٍ عديدة؛ إذ يقر 71% من الذكور بأنّهم غير مهتمين في السياسة، بينما تصل النسبة عند الإناث إلى 76%. وعند النظر في اهتمامات الشباب والقيم التي تحكمهم، نجد أنّ ممارسة النشاط السياسي تقع في أسفل القائمة على الإطلاق، إذ يُظهر فقط 2.9% من الشباب اهتمامهم بالنشاط السياسي!

إذا انتقلنا إلى سؤال التديّن لدى الشباب الأردني، من الواضح أنّ هنالك ارتفاعاً نسبياً ملحوظاً في أعداد من يعتبرون أنفسهم متدينين (مقارنة بالاستطلاع السابق قبل خمسة أعوام)، إذ تصل النسبة لدى الذكور إلى 7.1%، والإناث إلى 7.7%، وهي نسبة عالية مقارنة بدول عربية عديدة. وعلى العموم، تفيد أغلب استطلاعات الرأي بأنّ نسبة الشباب الأردنيين الذين يعرّفون أنفسهم متدينين من الأعلى عربياً.

تكمن المفارقة في أنّه عند سؤال الشباب عما إذا كانوا يعتبرون الدين شأناً خاصاً أم عاماً، فإنّ 7.7% من الشباب يرونه شأناً خاصاً، ما يوحي بتحوّل في أنماط التديّن لدى جيل الشباب والتوجّه نحو الصيغة الفردية. وفي المقابل، عندما يسأل الشباب عما إذا كانوا يؤيدون دوراً أكبر للدين في المجال العام، يُوافق 82% من الذكور وتصل النسبة لدى الإناث إلى 85%!

هل هو تناقضٌ في تصوّرات الشباب لدور الدين في المجالين، العام والخاص، فالأغلبية العظمى ترى أنّه شأن خاص، ثم تؤيّد الأغلبية نفسها (بنسب متقاربة) دوراً أكبر للدين في المجال العام؟ ربما هو ارتباكٌ والتباسٌ في عدم وجود حدود واضحة مرسومة في أفكار (وثقافة) الشباب عموماً للدين بين المجاليْن، العام والخاص. ويمكن أن نذهب بالتحليل نحو اتجاه آخر، أقرب إلى الفرضية التي تتطلب مناقشة ومراجعة، عبر صوغ الجملة التالية: يفهم الشباب الدين أنّه مسألة شخصية ليست مرتبطةً بالالتزام بجماعاتٍ أو أحزابٍ أو اتجاهاتٍ معينة. وفي الوقت نفسه، يفضل (الشباب) أن يعيش في مجتمعاتٍ محافظة دينياً، وقد تعزّز الجملة السابقة دراسة أجراها الباحث الأردني حمزة ياسين (كانت رسالة ماجستير) على اتجاهات التديّن لدى الشباب الأردني، من خلال دراسة حالات على التواصل الاجتماعي، وتوصل إلى أنّ هنالك نزوعاً لدى الشباب بعد الربيع العربي إلى التديّن الفردي.

تتمثل الدلالة الأخرى المهمّة في الاستطلاع في أنّ النظام المفضل لدى الشباب الأردني يتمثّل في الجمع بين الشريعة والديمقراطية، ثم يليه النظام الذي يحكم بالشريعة الإسلامية، ثم (وبفارق) النظام الديمقراطي، ولاحقاً نظام الرجل القوي. ولعلّ هذه النتيجة تختلف عن استطلاعات رأي سابقةٍ كانت تشير إلى تفضيل الشباب النظام الديمقراطي وتستدعي قراءة وتحليلاً ومقارنة أكبر.

تابعونا على جوجل نيوز
تصميم و تطوير