مواقف جبانة تجاه ما يجري في فلسطين..!
وقف المجتمع الغربي على رِجل واحدة مباشرة بعيد دخول القوات الروسية أوكرانيا. عقدت المؤتمرات العادية والصحفية، وتحولت المواقف الخطابية مباشرة إلى نجدة عينية، عسكرية ومدنية، وفُرضت العقوبات الاقتصادية والدبلوماسية على روسيا. وفي وقت قصير، تم إعلان الرئيس الروسي مجرم حرب مطلوبًا للمحكمة الجنائية الدولية.
والفكرة؟ شنت روسيا حرب احتلال على بلد آخر. وبافتراض أن فلسطين «دولة»، كما هي الصورة الدولية الزائفة التي تساعدها وثائق السلطة الفلسطينية المروسة بعبارة «دولة فلسطين»، فإن دخول قوات الكيان الصهيوني إلى أراضيها هو غزو دولة لأخرى. وإذا كانت الولايات المتحدة تبرر هذا العمل باعتباره دفاع الكيان عن نفسه، فقد بررت روسيا بشكل معقول غزوها لأوكرانيا بأنه دفاع عن أمنها ونفسها أيضًا، لكنّ القوى التي تقرر التعريفات بطريقة إلهية رفضت هذا التبرير واعتبرت عمل روسيا عدوانًا ولا شيء غيره.
الموقف الأميركي والبريطاني المؤيد لإجرام الكيان يعني دعم حق الاحتلال في الدفاع عن الاحتلال، وهو تجسيد للسقوط الأخلاقي والنفاق الصفيق في أقصى تجلياته. إنهم يطلقون قوة غاشمة مستقوية بأسلحتهم على شعب محتل وأعزل، ويبررون وحشيته بطريقة جبانة. أما الآخرون جميعًا فمتواطئون بالحياد، حيث لا يعني الشجب والإدانة الشفهيين في الممارسة سوى مباركة ما يجري بتركه يجري كما يشتهي مرتكبوه المعتادون على تجاهل هذه الخطابات كأنها لم تكن، بينما يبقى العمل، تحت الطاولة وفوقها، سائرًا كالمعتاد.
لفت متحدث في قناة تلفزيونية لبنانية إلى تناقض ما يُسمى «العالم الإسلامي»، الذي يغضبُ بشدة من إساءات معنوية إلى الإسلام، بينما لا يفعل شيئًا إزاء الإساءة الواقعية المتمثلة في الاحتلال الحقيقي والملموس والمهين للمسجد الأقصى وقبة الصخرة، والاستهانة البالغة واليومية بما يفترض أنها «المشاعر الإسلامية» بلا رفة جفن. ربما لا يكون رد الفعل الممكن على الكيان حربًا -ولو أنها واجب في الإسلام- وإنما على الأقل اتخاذ موقف حازم ومنسق في المحافل الدولية يتضمن خطوات عملية، مثل مقاطعة الكيان وعزله ومعاقبة داعميه بعدم التعامل معهم، كما ينبغي أن يفعل أي تجمع كبير يزعم أنه كذلك.
أما العرب، الذين تصر شعوبهم من المحيط إلى الخليج على اعتبار فلسطين قضيتها الأولى، فلا يبحثون عن أي شيء مؤثر حقًا لحماية الفلسطينيين. ومن الغريب مسارعة السلطة الفلسطينية إلى الاستنجاد بالعرب كلما ضاق الخناق على الفلسطينيين، وهي تعرف أن رد الفعل لن يتجاوز استخراج نص الشجب نفسه وتغيير التاريخ وبعض الأسماء فقط. لن يقطع أحد علاقاته المعلنة أو السرية مع الكيان. لن يطالب العرب مجتمعين بطرد الكيان من الأمم المتحدة. لن يطالبوا بتدخل عسكري أممي لحماية المدنيين الفلسطينيين. لن يهددوا بمقاطعة الكيانات الأممية أو الدول التي تسهل مهمة إبادة الفلسطينيين. وبالطبع لن يفكروا في خيار عسكري، حتى كلاميًا، ضد الكيان.
تبدو مثل هذه الاقتراحات جريئة ومتطرفة، لكن عكسها يعني منتهى الجُبن والعجز عن التفكير الاستراتيجي. ليس الكيان الصهيوني تهديدًا لوجود الفلسطيني فقط، وإنما هو خطر محدق ودائم على استقرار كل الدول العربية، مهما زعمت غير ذلك. كان ذلك واضحًا كل العقود التي انقضت منذ قيامه، ويشكل وجوده بصفاته المعروفة وسط جمع العرب علامة مثل الشمس على مستوى خضوع العرب لسادة الكيان، الذين لم يكتفوا بفرض وجوده، وإنما يفرضون تطبيعه والتداول معه.
ينبغي اغتنام اللحظة العالمية التي تتغير فيها موازين القوى وتسارع فيه الأطراف إلى توسيع مساحاتها واحتلال أي فراغ. ويستطيع العرب أن يرفعوا لهجة الخطاب -وطريقة العمل- تجاه الكيان الصهيوني وابتكار أفكار قابلة للتطبيق لتحجيمه ورفض الازدواجية الدولية الفاضحة في التعامل معه. وسيكون ذلك أهم عمل يمكن أن يفعله العرب لتحرير أنفسهم من الهيمنة -إذا كانت لديهم النية حقًا للتحرر والعناية بمستقبل شعوبهم واستقرار أوطانهم. والفلسطينيون في الوطن المحتل يساعدون بدمهم في وضع قضيتهم العادلة تحت الشمس ويطالبون بموقف يتعدى نفس الاستسلام لمشيئة القوى التي يحاول أن ينزلها عن أكتافه الجنوب العالمي.
تُظهر حرب الاحتلال على جنين المحتلة أن الفلسطينيين نقلوا مقاومتهم إلى مستويات جديدة. ويكشف عملهم الميداني أنهم تجاوزا «السلطة» وأحبطوا جهودها لإحباط المقاومة وأسقطوا تنسيقها أحادي الفائدة مع مؤسسات القتل والإخضاع الصهيونية. ويجب على الفلسطينيين أيضًا اغتنام اللحظة لتوحيد الكلمة واستعادة الإيمان بضرورة المقاومة بكل الوسائل من أجل نزع استقرار الاستعمار ومستوطنيه. صحيح أن الفلسطينيين يحاربون أميركا، ومعها بريطانيا المسؤولة الأصلية عن نكبتهم. ولكن، لا خيار أمام الشعوب المستعمرة سوى المقاومة، أو الذهاب إلى ثقب النسيان.