أميركا والصين وبعض التقدم الاستراتيجي

{title}
أخبار الأردن -

د. محمد حسين المومني

شكلت زيارة وزير الخارجية الأميركي للصين، مؤخرا، محطة استراتيجية مهمة عززت من التواصل الاستراتيجي بين البلدين المتنافسين. الزيارة وصفت بأنها ناجحة، لجهة أنها الأولى منذ العام 2018، وقد طرحت ملفات عدة بهدف إدارة التنافس بين الدولة الأقوى بالعالم وثاني أقوى دولة وهي الصين. حققت الزيارة إذا هدف التواصل والاتصال، وهذا بحد ذاته مهم لأنه يعزز التعاون ويجنب النزاعات غير المقصودة، والتي قد تنجم عن غياب أو سوء الاتصال. لكن ما لم تحققه الزيارة، هو تحقيق اختراقة في إنشاء اتصالات بين المؤسستين العسكريتين بين البلدين، وهو ما تعتقد بضرورته أميركا، في حين الصين لا تقبل به للآن. 

ما يجمع البلدين ما يزال أكثر بكثير مما يفرقهم، فحجم التجارة بمئات المليارات وحجم الاستثمار كذلك، والاعتماد المتبادل راسخ بينهم على المستويين الثنائي والعالمي، وبالتالي لا مصلحة لأي منهما بالتنازع أو المواجهة، والأفضل إدارة أي خلاف بطرق حضارية حوارية، وعلى قاعدة تجنب المواجهة المكلفة للطرفين. أما ما يفرقهم، فهو قناعة الصين أن أميركا تستخدم سياسة التنافس الاستراتيجي للنيل وإضعاف الصين اقتصاديا واستراتيجيا، إضافة للخلاف على ملف تايوان وممراتها المائية، ومحاولات الصين إنشاء قاعدة تدريب عسكرية بكوبا، إضافة لاحتمال أن تقدم الصين بعض الدعم العسكري لروسيا في حرب أوكرانيا، وهو الذي تحجم عليه للآن. نظرة شاملة للتوافقات والاختلافات بين أميركا والصين تجعلنا نميل للاعتقاد أن المواجهة على غرار الحرب الباردة ما تزال أمرا بعيدا، والمواجهة العسكرية ضرب من المستحيل في المستقبل المنظور، والأسباب لذلك كثيرة، أهمها أنه لا مصلحة لأي طرف بذلك، لأن الخسارة التي قد تتأتى كبيرة جدا، والعاقل هو من يستطيع تجنبها، وهاتان الدولتان أثبتتا للآن أنهما عاقلتان في إدارة هذا النزاع والخلاف بينهما. يضاف الى ذلك أن مواجهة على غرار الحرب الباردة سوف تضع الصين في موقف ضعيف لأن أميركا سيكون معها أوروبا واليابان اقتصاديا، والناتو عسكريا، وهذا سيقلب المعادلة في غير صالح الصين.

الصين أصبحت ما هي عليه الآن بفضل سياسة تاريخية حكيمة، وهي ما يعرف بالنمو السلمي والابتعاد عن المواجهة، ما شكل العقيدة الاستراتيجية للصين لعقود طويلة، فإن كان ما يجري اليوم هو ابتعاد عن هذه السياسة ومغادرتها لأن الصين أصبحت قوية، فهذا سيكون خطأ استراتيجيا كبيرا، والأرجح بداية مشوار الإضعاف للصين. تاريخ الصين وما وصلت إليه من قوة اليوم، يقول بوضوح إنها معنية بالحوار والتفاهم أكثر من منافسيها، وإن عليها أن تبتعد عن أي صدامات أو مواجهات، وإن ابتعادها عن سياسة النمو السلمي أدخل الغرب في حالة تنافس استراتيجي معها والسعي لإضعافها، وهو أمر يجب أن يستوقفها وأن تستدعي مخزون الحكمة الصينية وتبتعد عن أي سياسات قد تكون مدفوعة بالغرور والاعتداد بالقوة الذي حققته.

تابعونا على جوجل نيوز
تصميم و تطوير