العرب: استقلال أم تغيير ولاءات..؟

{title}
أخبار الأردن -

علاء الدين أبو زينة

يمكن أن تكون الفوضى خلّاقة، وإنما ليس على طريقة إغراق الأميركان منطقتنا في فوضى مُدارة بحيث يُجلس العرب على ممسحة الأقدام عند باب العالَم. الفوضى حركة حرة أو شبه حرةٍ للأشياء، تستقرّ منها على ترتيب جديد - للأفضل أو للأسوأ. والعالَم اليوم في حركة غير منضبطة، تتداعى فيها أنظمة بدت مستقرّة في اتجاه شيء جديد، ربما متحرر من هيمنة القطب الواحد الذي تتحدث نتائج أعماله المدمّرة عن نفسها.

تبدو الفوضى الجارية فرصة ذهبية للعرب إذا هم أحسنوا اغتنامها بحيث لا يصلون متأخرين بعد أن يكون الآخرون، القادمون جماعات، قد حجزوا عرباتهم الكاملة المريحة في القطار. الآن، يتيح اشتباك القوى الكبيرة وانشغالها ببعضها البعض فسحة يخف فيها الضغط على العرب بحيث يستطيعون التنفس، وينبغي أن يستثمروها لترتيب بيتهم. وينبغي أن يتحول الحوار بيننا وبقية العالم إلى صيغة «نحن» وليس «أنا»، بما يعنيه ثقل الجماعة المثبَت في المسرح العالمي.

العالَم اليوم عالم تكتلات وأحلاف، ويخطئ حد الانتحار العربي الذي ينعق بالخراب، فيواصل الحديث السلبي عن استحالة وحدة العرب والتشكيك في قوميتهم التي يعترف بها المنافسون والخصوم ويعكفون بدأب على تفكيكها. ثمة كتل اقتصادية، وعسكرية، وجيوسياسية ومصلحية في كل مكان تتأسس على أصغر المشتركات، وتسعى أطرافها إلى الاحتماء بأي مجموع للتحرر من الهيمنة وتأمين البقاء.

الآن، ثمة اتجاهات رئيسية ستؤثر على الدور العربي في النظام العالمي الجديد. أولها صعود الصين كقوة منافسة للأميركيين، وتصاعد نفوذها في الشرق الأوسط، خاصة في المجالين الاقتصادي والدبلوماسي، بطريقة مختلفة. وقد توسطت الصين في الصفقة التاريخية بين السعودية وإيران، منهية تنافسهما المدمر على المنطقة، وفاتحة آفاقًا جديدة للتعاون. كما تعرض الصين شراكات للاستثمار الكثيف في مشاريع البنية التحتية في جميع أنحاء المنطقة، بما في ذلك مبادرة الحزام والطريق، وأصبحت شريكًا تجاريًا رئيسيًا للعديد من الدول العربية.

في المقابل، تراجعت قوة الولايات المتحدة واهتمامها بالشرق الأوسط، وتحول تركيزها إلى آسيا ومناطق أخرى. كما انسحبت الولايات المتحدة من عدة اتفاقيات دولية أثرت على المنطقة، مثل الاتفاق النووي الإيراني واتفاق باريس للمناخ، وقلصت وجودها العسكري ودعمها لحلفائها. كما فشلت في حل المشكلة الفلسطينية التي تظل مصدرًا لعدم الاستقرار وإثارة استياء كل الشعوب العربية.

وفي الإقليم، يبرز فاعلون جدد، مثل تركيا وإيران، والكيان الصهيوني، وجماعات من غير الدول، وكلها تريد تحدي الوضع الراهن والمنافسة على النفوذ والموارد. وقد استغل بعض هؤلاء الفاعلين الفراغ الذي تركته الولايات المتحدة وتدخلوا في نزاعات وأزمات عربية مختلفة، في سورية، واليمن، وليبيا والعراق ولبنان. كما شكلوا تحالفات وشراكات جديدة، مثل محور تركيا وقطر، واتفاقيات التطبيع مع الكيان الصهيوني.

وعلى المستوى القطري، استمرت الاضطرابات الداخلية وعدم الاستقرار في العديد من الدول العربية نتيجة القمع السياسي، والصعوبات الاقتصادية، والظلم الاجتماعي، والطائفية، والفساد والتدخل الخارجي. ولم تؤد الانتفاضات العربية منذ 2011 إلى إصلاحات ديمقراطية أو حكم أفضل، بقدر ما أدت إلى حروب أهلية، وانهيار دول، وأزمات إنسانية، ورد فعل سلطوي قمعي. وما يزال المواطنون العرب يصارعون خيبة الأمل من قادتهم ومؤسساتهم، ويطالبون بمزيد من الحرية والكرامة والفرص.

تشكل هذه الاتجاهات تهديدات، بقدر ما تعرض فرصًا للعرب في النظام العالمي الناشئ. إذا أخفقوا، سوف يواجهون التهميش واستمرار التشرذم والصراع. وإذا استيقظوا، سيستفيدون من موقعهم الاستراتيجي، ومواردهم الطبيعية، ورأس مالهم البشري، وتراثهم الثقافي، وهويتهم المشتركة، لحجز مكان مهم ولائق في خريطة العالم الحي.

وليست الوصفة لتحقيق هذه الطموحات ضربًا من الضرب في الرمل. ثمة عوامل ما تزال تتردد في الخطاب الحريص على النهوض بمواطني هذه المنطقة، وعلى رأسها الوحدة. سوف يحتاج العرب إلى تجاوز انقساماتهم الداخلية وخصوماتهم، والعمل معًا من أجل المصالح والتحديات المشتركة. وهم في حاجة إلى إحياء مؤسساتهم الإقليمية، مثل جامعة الدول العربية ومجلس التعاون الخليجي، وأي منظمات تنشأ إلى توفر حسن النية، وجعلها أكثر فعالية وتمثيلاً. كما يحتاجون إلى دعم بعضهم بعضا في حل مشاكلهم الداخلية وتحقيق تطلعاتهم الوطنية والقومية.

وثمة السيادة. على العرب استعادة سيادتهم واستقلال قرارهم ورفض التدخل والهيمنة الخارجيين. وينبغي أن ينوعوا في علاقاتهم الخارجية على أساس شراكة الأنداد، والتخلص من فرط الاعتماد على أي قوة أو كتلة يستأجرونها للحماية. وهم قادرون، نظريًا، على تطوير قدراتهم وتحقيق إمكاناتهم في كل شيء، من الدفاع، إلى الأمن والاقتصاد، والعلوم والتقنية والتعليم والصحة والثقافة. لمَ لا ولديهم المال والثروة البشرية والطبيعية، ورغبة الشعوب في التحرر؟

لقد أظهرت الخبرة أن تناحر العرب وتنافسهم القطري إلى حد المشاركة في تدمير أقطار وقتل مواطنيها أضعف الجميع، وسمح للآخرين بالتدخل والاستئساد على التكوينات المنفردة الضعيفة مهما قويت. ولذلك لا بد من التعاون، وفض الخلافات، واعتناق نظرة استراتيجية تعتمد تجميع الإمكانات في اتجاه التكامل.

تبدو المؤشرات واعدة، كما ظهر في استعادة سورية والتصالح مع إيران واستعادة مبادرة السلام العربية كشرط لتطبيع الكيان. ويبقى أن تستمر هذه الاتجاهات ضمن جهد منسق وحسن النية، عسى أن تكون التغيرات العالمية خيرًا على العرب.

تابعونا على جوجل نيوز
تصميم و تطوير