بيان عمان بقي حبرا على ورق
ماهر أبو طير
هل تذكرون اجتماع عمان في الأول من شهر أيار الماضي، الذي شارك فيه وزراء خارجية عرب بحضور وزير الخارجية السوري، والبيان الصادر عنه الذي بقي حبرا على ورق.
أغلبنا ينسى، وبعضنا لا ينسى، وفي الاجتماع المتفائل اياه، قيل أن الأردن وسورية سينظمان حملة لعودة ألف شقيق سوري، بشكل طوعي إلى بلادهم، هذا على الرغم من معرفتنا وقتها أن القصة لا تتعلق بتأمين بحافلات مجانية، للعائدين.
لقد دمرت الحرب الوجدان السوري في المهاجر، ولم يعد السوري يأمن على نفسه إذا عاد، ولو أعلنت دمشق الرسمية قبول كل السوريين دون عقاب أو محاسبة على نشاط عسكري أو سياسي، أو عدم خدمة في الجيش، لما عاد أغلبهم، والكلام قيل مليون مرة، لكن اجتماع عمان كان له رأي آخر، وان كان ردد وقتها مصطلح "العودة الطوعية" للسوريين، وليس الاجبارية، لان لا أحد يستطيع اجبارهم، وقهرهم... والا تورطنا كلنا في ذات خطايا من يقهرون شعوبهم.
ولان العرب لا تهمهم الأرقام، بقدر الانطباعات والمشاعر، تمر الأرقام سريعا، ولا يقف عند دلالتها الا القلة، عكس الأمم المتطورة التي تبني كل حياتها ومستقبلها على الرياضيات.
وفقا لأرقام الأمم المتحدة، هناك حوالي 5.5 مليون شقيق سوري مسجل في لبنان والأردن وتركيا والعراق ومصر، ولن استعمل مفردة "لاجئ" لانها مفردة معيبة بالمعنى الديني والقومي، والتاريخي والجغرافي، لكن مصطلح " لاجئ" يتم استعماله وفقا لتعريفات القانون الدولي فقط.
بين يدي هنا، استطلاع حديث نفذته المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، حول ملف الاشقاء السوريين، أو "اللاجئين" وفقا لتعريفاتهم، وتقول نتائجه أن 97 % من اللاجئين في الأردن لا ينوون العودة إلى سورية خلال العام المقبل، وأنّ غالبيتهم يخططون للبقاء في الوقت الحالي، وأنّ اللاجئين في الأردن ومصر كانوا الأعلى نسبة ممن أجابوا بأنّهم لا ينوون العودة إلى سورية في الأشهر الـ 12 المقبلة، وبنسبة 97 % في الأردن، و95 % في مصر، يليهم اللاجئون في العراق بنسبة 94 %، ولبنان 91 %، كما أكد جزء كبير من اللاجئين أنهم يأملون في الانتقال إلى بلد ثالث، من أجل ظروف معيشية أفضل في المقام الأول، وللانضمام إلى أفراد أسرهم الذين يعيشون في الخارج ثانياً، وللدراسة كسبب ثالث.
هذه النسب تأتي مرتفعة في الوقت الذي يشير فيه الاستطلاع إلى أن صعوبات بالغة تواجه غالبية اللاجئين الذين أشاروا إلى أنهم لا يملكون حالياً مصدر دخل يسمح لهم بتغطية احتياجاتهم الأساسية واحتياجات أسرهم الأساسية حيث تصل هذه النسبة الى 90 %.
علينا أن ننتبه إلى السياق هنا، فهذه الأرقام تأتي في عز مصالحة العرب لنظام دمشق، وفي عز الدعوات الإيجابية لعودة السوريين الطوعية، وفي عز تحسن الأجواء السياسية والأمنية داخل سورية، وهذا يعني أن حسابات الأشقاء السوريين خارج سورية في واد غير واد العرب، ومفصولة تماما عن الحسابات العربية الرسمية، وعن إعادة تموضع دمشق الرسمية، وعن كل التجميل للمشهد السياسي داخل سورية، ولهؤلاء اطلالتهم الخاصة على أوضاع بلادهم عبر التواصل اليومي مع أقاربهم، والذي لا يخضع لكل هذه المعادلات، بل يستقرئ الأجواء الداخلية من الانهيار الاقتصادي، الى عدم وجود مشاريع اعادة اعمار، الى الثأر الامني، والهواجس.
الأزمة السورية، ازمة إقليمية ودولية مركبة، وليست سورية داخلية، فالكتلة السورية باتت موجودة في دول جوار سورية، والتعامل معها باعتبارها طارئة، أو مؤقتة يعبر عن خفة سياسية، كما ان احتمالات اللجوء إلى بلد ثالث تنخفض، خصوصا، ان اقتصادات الدول المستضيفة مرهقة.
كما أن تمويل اللجوء السوري، سيتوقف عما قريب، خصوصا، ان الكلام عن تمويل اعادة الاعمار، لا يحتمل أيضا الكلام عن ادامة اللجوء وتمويله، أيضا، في دول جوار سورية.
والعودة بأثر رجعي الى بيان عمّان، لا تضر، ومن حقنا ان نسأل عما قامت به دمشق الرسمية لمساعدة نفسها، ومساعدة السوريين، ودول جوار سورية، منذ ذلك الوقت حتى الآن، في بلد يحتاج الى 400 مليار دولار في الحد الأدنى، لإعادة إعماره، وعليه ديون بعشرات المليارات للدول الراعية لنظامه، فوق ما يعانيه السوريون داخل سورية، من ضنك معيشي قل مثيله.