أزمة اللجوء السوري والإقليم
تحيط بسورية أربع دول بالجوار المباشر، كل منها تأثرت بشكل مباشر من تداعيات "المقتلة" السورية، تلك التي ما تزال مستمرة لأن أسباب وجودها ما تزال حاضرة.
اللجوء السوري هو العامل المشترك بين رباعية الجوار السوري، تركيا شمالا، العراق شرقا، لبنان غربا، والأردن جنوبا.
قبل عام ونصف، التقيت في بروكسل دبلوماسية تركية بترتيب مسبق، وكان كل محور حديثها عن "أزمة اللجوء السوري" والتي رأت فيها محور حديث مشترك بين تركيا والأردن، فالأزمة واحدة ولا بد للبلدين أن يدخلا في حوار وصفته هي "بالعميق" لحل تلك الأزمة.
ذكرتها أني مجرد صحفي ولست سياسيا، لكنني وعدتها بنقل الرسالة ما استطعت إلى ذلك سبيلا.
اليوم، يتحدث الجميع عن إعادة تموضع سورية عربيا!! هذا كلام سهل ويصلح للاستهلاك الإنشائي المناسب في احتفالات سبل التعاون المشترك التي تزين صدر نشرات الأخبار الرسمية، لكن في الواقع، فإن التموضع إقليمي بالمجمل، وهو بحجم زحزحة قارية.
سنوات الحرب السورية وضعت ذلك البلد في ثلاث مستويات متوازية: عزلة عن الجوار العربي، انقسام عمودي وأفقي في الدولة والمجتمع، وتوغل أطراف إقليمية مباشرة أو عبر وكلاء في كل سورية.
إذن؟
تصبح عبارة "تموضع سورية عربيا" والعودة إلى الحضن العربي عبارة فضفاضة بلا معنى حقيقي على الأرض.
لكن.. على أرض ذلك الواقع هناك فعلا أزمة لجوء يجب أن ينتبه إليها الجميع كقنبلة ديموغرافية مؤقتة على احتمالات متعددة من الانفجار في المستقبل.
الأردن، هو الأكثر معاناة لقلة موارده ومعاناته الاقتصادية قياسا مع حجم "اللجوء الإنساني" إليه حد وصول مخيم الزعتري إلى حالة "مدينة" قابلة للتوسع والتمدد ومع الزمن قد يلفها الاعتياد على وجودها فتصبح مرتبطة بباقي الحواضر والمدن القريبة كامتداد طبيعي سكاني.
ما يقلق، هو الحديث خلف الكواليس عن توطين عدد كبير من السوريين في الأردن، وقد سمعته "زلة" على لسان مسؤول أردني في منصب رفيع قبل صيف.
للوصول إلى حلول لا بد من تفكيك الأزمات العنقودية التي أنتجتها تلك الحرب الإقليمية في سورية، وأول تلك الأزمات المطلوب تفكيكها هي ازمة اللجوء السوري ومحاولة الوصول إلى حلول إنسانية بضمانات دولية صارمة تضمن لهؤلاء العودة إلى ديارهم وأوطانهم.
الإقليم فعليا يتغير، وكل دولة فيه تبحث عن مصالحها ضمن أطر تكامل تنموي إقتصادي يهدف فيه الجميع إلى الوصول نحو "صفر أزمات"، وهذا عمليا مستحيل، بدون فكفكة إرث الأزمات الموجود على الأرض أساسا.
الأردن، على عكس رباعية دول الجوار السوري، لم يكن طرفا في تلك الحرب، حدود تدخله كانت دوما ضمن حدود حماية مجاله الحيوي فعلا، على الأقل كانت خطوط التماس لديه بالحد الأدنى الذي يحمي العمق الأردني، مما يجعله الدولة الأكثر أهلية لاستضافة حوار "إقليمي" مباشر يناقش قضية اللجوء السوري وبإشراف دولي يقدم ضمانات واضحة لأي حلول يمكن ان يتم طرحها.
بدون حل تلك الأزمة، فإن الإقليم لن تكتمل معادلاته التي يطمح إليها، وعلينا ان ننتظر انفجار القنبلة الموقوتة على شكل لاجئين فقدوا الأمل ويتشبثون بالحياة قدر ما يستطيعون.