الاستحالات عند دمشق الرسمية
ماهر أبو طير
لا يمكن لسورية أن تنفلت من سيطرة إيران على كل شيء، والذين يظنون أن دمشق الرسمية قادرة على ذلك لا يستبصرون الخريطة في سورية، أمنيا وعسكريا واقتصاديا وسياسيا.
هذا ليس تعبيرا سلبيا، بل كلام عن الواقع؛ حين تكون الدولة السورية مدينة للإيرانيين بأكثر من ثلاثين مليار دولار، فيما تقفز تقديرات ثانية إلى حدود الستين مليار دولار، والفرق بين التقديرين كبير، لكننا نتحدث عن مديونية تكبّل دمشق الرسمية، خصوصا، مع مطالب إيران بديونها، والمعلومات التي تقول إن الإيرانيين يطالبون بأموالهم عبر استبدال الدين بأرض في سورية.
هذا يعني أن دمشق الرسمية مقيّدة للإيرانيين، وليس لديها القدرة على إخراج الإيرانيين بهذه البساطة، إضافة إلى التمدد العسكري في سورية، وهو الأمر الذي ينطبق على الروس أيضا.
في تقرير مهم لمعهد الجزيرة للدراسات نقرأ فقرة مهمة تقول: "من غير الواضح كيف ستؤثر عودة سورية إلى الجامعة العربية في موازين القوى الإقليمية، وفي الاصطفافات الجديدة التي تشهدها المنطقة، في ضوء الضعف الشديد الذي يعتري موقفها بعد 12 سنة من الحرب، وفي ظل وجود خمسة جيوش أجنبية على أراضيها، وفقدان النظام السيطرة على مناطق واسعة من شمال وشمال شرقي البلاد؛ حيث تتركز أكثر ثروات سورية المائية والطبيعية، النفط والغاز، فضلا عن انهيار قدراتها العسكرية، وحدوث دمار واسع في بنيتها التحتية، حيث تقدر تكلفة إعادة بنائها وفق أكثر التقديرات تحفظا بـ400 مليار دولار، والأهم من كل ذلك هو فقدان سورية أكثر من نصف مواردها البشرية، مع اقتلاع نحو 12 مليون سوري من بيوتهم، موزعين بين لاجئ ونازح، فيما يعيش 90 % ممن يقيمون في مناطق سيطرة النظام تحت خط الفقر".
هذه المعلومات الصحيحة، لا يمكن خفض أهميتها بسبب مصدرها، مثلا، وهي تعبّر عن الأزمة الداخلية في سورية، والتي يتم تبسيطها اليوم بالكلام عن انتصار النظام أو عدم انتصاره، في ظل تعامي المحسوبين على دمشق الرسمية عن كل الحقائق الاقتصادية والاجتماعية المروّعة داخل هذا البلد العربي، الذي عاش حربا دموية مؤلمة وشرسة.
محاولات استرداد دمشق الرسمية للعالم العربي، تُجابَه بعدة أزمات عميقة، أبرزها الموقف الأميركي الذي ما يزال يفرض عقوبات على السوريين، وثانيها فشل سياسة "الخطوة مقابل خطوة"، حيث لم يتخذ النظام السوري أي خطوة للتشجيع على عودته إلى العالم العربي، لا على صعيد ملف اللاجئين، مع رفض أغلبيتهم العودة، لاعتبارات أمنية، أو شكوك ومخاوف، أو حتى بسبب الظرف الاقتصادي، ولا على صعيد ملف التنظيمات المسلحة، والجيوش النظامية الموجودة داخل سورية، والتي لم يغادر منها عسكري واحد حتى الآن، فيما لا يتحدث أحد بشكل عميق عن استحالات إعادة الإعمار بالكلف المالية المطلوبة، والتي لا يمكن تأمينها مهما تم من جمع تبرعات، أو عقد مؤتمرات دولية لهذه الغاية، فهذه أرقام مذهلة يصعب دفعها، حتى لو تجاوب السوريون بشكل كامل مع متطلبات عواصم عربية وغربية.
ما يمكن قوله هنا إن سورية البلد العربي، قد تم تدميره بطريقة لن يخرج من آثارها، لا في سنة، ولا في عشرين سنة، فيما دمشق الرسمية تقع وسط استعصاءات، فلا هي قادرة على الخلاص من الحلفاء الذين يريدون فواتير تحالفاتهم وخدماتهم، ولا هي قادرة على تحقيق أي متطلبات عربية أو غربية، لمعرفتها أن هناك استحالات أيضا في التطبيق، وبسبب المخاوف من كلف نقض العهود مع الحلفاء الأساسيين، الذين حاربوا إلى جانب دمشق الرسمية طوال سنوات.
ما يقال بكل أسف، إن الأبرياء فقط دفعوا الثمن، في هذه الحرب البشعة، وتلطيف الصورة، عبر الحديث عن إعادة تموضع دمشق الرسمية، حديث يتسم بالسذاجة والسطحية، لأن الأهم ما يمكن أن يقدمه النظام فعليا، وما يمكن للعرب والغرب أن يقدموه فعليا، وهنا يبدو أن هناك سقوفا محددة لا يستطيع أي طرف أن يتجاوزها في هذا الإقليم المبتلى بالأزمات والصراعات.