أردنيون "نازحون"
مالك العثامنة
أول مرة التقيت وزير الزراعة المهندس خالد الحنيفات سمعت منه حديثا عفويا بلهجته الانفعالية المحببة يعكس فيه مزيجا من حماس كثير وبعض مرارة من واقع صعب، ومحاولة لملمة رؤية شاملة للواقع الزراعي في الأردن.
تذكرت كلام الوزير الذي أثر بي قبل سنتين وأنا أقرأ تقريرا مرعبا نشرته الغد للزميلة المخضرمة في الصحافة البيئية المتخصصة فرح عطيات بعنوان " توقعات بنزوح 15 % من مزارعي الأردن نتيجة التغيرات المناخية".
التقرير موثق بدراسات أممية وأرقام إحصائية ومن بينها مثلا كشف تقييم هشاشة الجفاف، الذي أجراه برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في الأردن خلال 2017-2018 أن "ما يقرب من 2.5 مليون شخص في محافظات شمال غرب عجلون، وإربد، وجرش معرضون بشدة للجفاف بسبب حساسيتهم العالية، وتعرضهم وقدرتهم المنخفضة على التكيف".
كما أشار التقييم إلى أن "حدوث حالات جفاف متكررة، إلى جانب تأثيرات تغير المناخ السلبية سيؤديان إلى النزوح المناخي نحو العاصمة عمان حيث توجد المزيد من مصادر المياه الآمنة، ومن المتوقع أن يترك مزارعو البلاد أراضيهم، أو يتحولون من استخدامهم للزراعة إلى استعمالات أخرى".
هذه قراءات رقمية مرعبة بصراحة وفي تقرير العطيات فإنها تقول إنه وبالنظر إلى المستقبل، من المتوقع أن "تصل نسبة السكان في المناطق الحضرية داخل المملكة بحلول عام 2050 إلى ما بين 80 %
و95 % "، بحسب مؤشرات البنك الدولي.
باعتقادي أن الوقت حان لتكون وزارة الزراعة وزارة سيادية في الدولة، وأن منظومة الإصلاح الشاملة في الأردن تتطلب خطة إصلاح زراعي عاجلة وشاملة بعيدة عن الإنشائيات التي لا تصلح أصلا معها، ولا يستقيم فيها ولنجاحها إلا لغة المعرفة العلمية لبناء استراتيجية وطنية "سخية" تنقذ الأردن من تنبؤات وشيكة تزيد من حجم التحديات التي سيمتد تأثيرها لا على الاقتصاد وحسب، بل على المستويات الاجتماعية والسياسية والبنيوية للدولة.
أنا استمعت لوزير الزراعة وهو يكاشفني بالمعوقات الكثيرة والمتعددة في وزارته، وأتمنى أن يكون صوته مرتفعا أكثر من ذلك ليتحدث بهذا الواقع لغاية مواجهته والتصدي لتحدياته، وصوت المستمعين إليه أكثر انخفاضا لغايات جودة الإصغاء والتفهم.
التقرير الأممي الوارد في المادة الصحفية الثرية بالمعلومات قدم سلسلة من التوصيات (..التي تهدف إلى إبطاء العوامل التي تدفع إلى الهجرة بسبب تغير المناخ، والاستعداد لمواجهة الموجات المتوقعة من تدفق المهاجرين، من بينها "إدماج الهجرة الداخلية الناجمة عن تغيّر المناخ في التخطيط الذي يتسم ببعد النظر للتنمية الخضراء، والقادرة على الصمود والشاملة للجميع).
وهذا كلام ما يزال في العموميات ويحتاج قراءة محلية نابعة من الواقع على الأرض، ولا أحد يمكن له أن يترجمه او يعدل عليه بما يناسب الأردن إلا ذوي الاختصاص الأردنيين من مؤسسات رسمية وأهلية معنية بالزراعة، والمزارعين، وهم أول ضحايا الخطر القادم بهذا النزوح المرعب.
ربما على الأحزاب التي أنتجتها منظومة الإصلاح السياسي أن تنتبه لواقع الأردن المحلي وتوظيف ما تتلقاه من دعم "دافعي الضرائب" في وضع برامج حقيقية لرؤية زراعية شاملة كل على منهجه، أو على الأقل تفتح حوارات يتحدث فيها المتخصصون في القضية دون الاستعراضات البلاغية المكررة عن التنمية السياسية وأهمية الديمقراطية وغيرها.
فلتمارس الأحزاب التنمية السياسية والعمل الديمقراطي ببرامج حقيقية تخدم الناس.