كلام سياسي في توقيت حساس
ماهر أبوطير
زواج ولي العهد، تمت قراءته عربيا ودوليا بطرق مختلفة، لكن من أبرز التعليقات التي سمعتها أن موكبا مكشوفا في الهواء الطلق يسير كيلومترات طويلة بمسار معروف مسبقا، وسط الناس والأحياء والعمارات دون أي مخاوف أمنية من أي حادثة محتملة، بما يعني الكثير هنا.
في حوار مع صديق عربي، حاول أن يستبصر معنى ذلك في بلد تجاوره مهددات أمنية في أغلب دول جواره، وداخله أزمات مركبة ومعقدة سياسيا واقتصاديا واجتماعيا، وربما تنظيمات وخصوم، فتأتيه الإجابة ببساطة جدا، وعلى رأس الرد أن لا أحد أصلا افترض وجود مخاوف أمنية إلا من جانب أولئك الذين يراقبون من الخارج، ولا يفهمون الأردن جيدا، ويتورطون بكلفة المقارنات مع نماذج لدول عربية ثانية، تواجه أزمات وإشكالات علنية أو صامتة، فيما المخاوف الأمنية لو كانت موجودة بالطريقة التي يظنها، لما خرج الناس أصلا، ولما اعتبروا أن المناسبة تخصهم، بالمعنى الاجتماعي والسياسي أيضا، وهذا أيضا يقول الكثير من جهة ثانية.
في هكذا سياق يقال أولا أن الغدر ليس عقيدة اجتماعية في الأردن، وثانيها أن الداخل الأردني على الرغم من كل مصاعبه الاجتماعية والاقتصادية، إلا أنه لا يستهدف الدولة، وليس أدل على ذلك من مرور الربيع العربي، بكلفة صفر، مقارنة بكل الدول العربية، لأن الحكم أيضا، ليس ثأريا ولا دمويا، طوال تاريخه، إضافة إلى أن الأردن استطاع طوال عقود وهو وسط الحرائق، أن يدير شؤون الداخل، وأن يبقى نظيفا من المهددات الأمنية على الرغم من كل الأخطار، التي تهب رياحها بأنماط مختلفة، دون أن يكون الأمن هنا، عنصرا يتغول على الحياة بشكل عام، أو أن يفسد حياة الناس بذرائع المخاوف والقلق والتحديات والمخاطر.
ربما صورة الموكب المكشوف والمحدد مساره مسبقا، والمعلن عنه منذ أيام عبر وسائل الإعلام، من أبرز الرسائل وأكثرها حساسية في حفل الزواج، بالمعنى السياسي، فالحكم لا يتوجس من الناس لأي سبب، مثلما أن الصورة كشفت أن الناس وأن عتبوا على حكوماتهم، بسبب ضنك الحياة والمصاعب، وأشياء ثانية، إلا أنهم لا يمثلون حالة من الغضب المنفلت والحقد والرغبة بتخريب كل شيء، وهذه هي غريزة البقاء في الأردنيين الذين جعلتهم دوما يفرقون بين العتب الراشد والغضب المنفلت، الذي قد يؤذي البلاد ذاتها، وهي التي نجت برحمة الله أولا.
الذي فهمه الصديق العربي ويعرفه كل الأردنيين أن أيام وساعات ما قبل الموكب، لم يتم فرض حظر التجول في الأردن، ولا تفتيش العمارات والسيارات والشوارع والأشجار، بل بكل هدوء تمت الأمور، بما يعني أن البلد يعد آمنا، لطبيعة الحكم أولا، ولوجود مؤسسات محترفة، ولطبيعة الناس، أيضا، الذين يفرقون جيدا بين الكلام ساعة الضيق لأي سبب، والسلوك على الأرض، ولأن من هم خارج الأردن يلتقطون فقط أحيانا التعليقات السلبية هنا وهناك، ويخرجون بانطباعات خاطئة، على طريقة المستشرقين، هذا على الرغم من أن الحكم تاريخيا كان بين الناس في الجولات والزيارات، ولم يتصرف بفوقية، ولا طغت الشكوك في علاقة الطرفين.
يستحق البلد الأيام المقبلة، وقفة لمراجعة كل شيء، فهو البلد الذي سلم دائما، وتلحقه أحيانا نظرات الغيرة ممن حوله، وبعضهم يتعمد الاستخفاف ببلد قوي داخليا، على الرغم من كل ظروفه، وقد آن الأوان أن يتم البناء بشكل إيجابي على استخلاصات كثيرة، تبلورت الأيام الماضية، من أجل أن نعبر إلى المستقبل بطريقة نحبها جميعا، ويكفي أن المشهد الذي رأيناه في عمان للموكب ومشاعر اليقين والثقة والقوة، نكاد لا نراها في أغلب الدول العربية المتخمة بالأزمات والمخاوف والهواجس والشكوك بحق كل شيء، بسبب ما تراكم سرا وعلنا.