هذه بداية حرب أهلية
وجود جسم عسكري بجانب أي جيش نظامي، سيؤدي آجلا أم عاجلا، إلى نشوب صراع عسكري في أي بلد، بما يثبت أن الصراعات لا تنفجر مرة واحدة، بل يتم التأسيس لها.
هذا ما حدث في السودان حصرا، إذ مع وجود الجيش السوداني، تأسست قوات عسكرية ساندت الجيش في حروبه في دارفور ومواقع ثانية، حتى أصبحت واقعا لا يمكن التعامل معه، وهي التي أصبح مسمّاها اليوم قوات الدعم السريع، التي دخلت في معركة على السلطة مع الجيش السوداني، وما يمثله الحكم في السودان من حالة، ليزيد من الأزمة التدخل الإقليمي والدولي، وثروات السودان، والبعد القبلي، ووجود انقسام داخلي أساسي، ومخططات لتقسيم البلد.
لم تعد المعركة في السودان، معركة بين الجيش السوداني، وقوات الدعم السريع، ويوم أمس دخلنا التوطئة للحرب الأهلية الشاملة، حيث دعت وزارة الدفاع السودانية متقاعدي القوات المسلحة وكل القادرين على حمل السلاح للتوجه إلى أقرب قيادة عسكرية لتسليحهم تأمينا لأنفسهم وذويهم، وذلك ردا على تجاوزات قوات الدعم السريع ضد المدنيين ومتقاعدي الجيش، فيما حض وزير الدفاع السوداني ياسين إبراهيم ياسين، كل متقاعدي القوات المسلحة من ضباط وضباط صف وجنود وكل القادرين على حمل السلاح على التوجه إلى أقرب قيادة عسكرية لتسليحهم تأمينا لأنفسهم وحرماتهم وجيرانهم وحماية لأعراضهم، والعمل وفق خطط هذه المناطق.
هذا يعني تسليح السودانيين، وهم جميعا ينتمون إلى قبائل، بما يعنيه ذلك من ردود فعل وأوسوع عمليات قتل وثأر، سنراها خلال الفترة المقبلة، بين مكونات السودان الذي بدأ فعليا بالانزلاق نحو الحرب الأهلية التي ستؤدي في المحصلة إلى التقسيم من أجل فصل مكونات النزاع عن بعضها، بما يعنيه من توليد دولة جديدة في السودان خلال فترة قريبة.
بدلا من الحرب بين قوى عسكرية تمثل فريقين، أصبحنا أمام حرب يشارك فيها المدنيون فعليا، لأن الدعوة موجهة إلى كل قادر، إضافة إلى المتقاعدين العسكريين، مما يعني أن هذه الحرب سوف تمتد إلى كل المدن، والأحياء، وسنجد أنفسنا أيضا أمام مهمات لحماية السكان، والأحياء، وقد انتقلت إلى الناس أنفسهم، في ظل تطاحن الجيش مع قوات الدعم السريع، والتي بدورها سوف تتورط في هذه الحرب، أو سترد على عمليات إطلاق النار على أفرادها، وهم الذين يقومون بعمليات سلب ونهب واعتداء على السودانيين وفقا للروايات الرسمية السودانية.
هذا لا يثبت فشل الجيش السوداني، كما تقول قوات الدعم السريع، بل يثبت أمراً ثانيا، أي فشل الفريقين في حسم الحرب، وإلا لماذا يضطر الجيش لإدخال مواطنيه المدنيين في الحرب، ولماذا تضطر قوات الدعم السريع للرد، ومواصلة الاعتداء على مواطنيهم تحت ذرائع مختلفة، من بينها أن بعضهم كان موظفا في دوائر الدولة السودانية، والخلاصة هنا تقول إن مسار الحرب يتجه إلى نقطة حرجة، خصوصا، أن لقوات الدعم السريع مخزونا قبليا ومدنيا أيضا، ستقوم على الأغلب بتجنيده، وإدخاله في صفوف المتحاربين ردا على دعوة الجيش السوداني.
السيناريو المقبل، سيئ، فالاتصالات السياسية لم تؤد إلى نتيجة، ولا أي هدنة تصمد، والمدنيون الأبرياء يهجرون مناطقهم، ويتجهون نحو تشاد ومصر، أو إلى مناطقهم الأصلية طلبا للنجاة والحماية، بما يعني أننا أمام نتائج مؤكدة، أولها احتمال نشوب حرب أهلية، وثانيها حدوث تقسيم في السودان، وثالثها حدوث موجات هجرة واسعة، ورابعها تبلور كل الاحتمالات الخطرة على مسار البحر الأحمر بما في ذلك نشوء جماعات عسكرية جديدة قد تستهدف الملاحة فيه لاعتباراتها، وخامسها تأثيرات الحرب على أثيوبيا وجنوب السودان وأرتيريا، وسادسها مخاطر هذا الملف على الأمن العربي القومي في مصر، وهذه أخطر نقطة بحد ذاتها، وسابعها تأثيرات ذلك على مصالح دول كبرى في السودان مثل روسيا وغيرها من دول.
بتسليح المدنيين، دخلنا مرحلة الحرب الأهلية، لأن الطرف الثاني سيرد بذات الطريقة، وحين يدخل المدنيون طرفا في حرب من هذا الطراز، فعلينا أن نعرف إلى أين يذهب السودان؟!.