تقييم التجربة الحزبية اصبح واجبا
حسين الرواشدة
أين أصبنا وأين أخطأنا في ملف الأحزاب ؟ استدعاء السؤال، في هذا التوقيت ، ضروري لأكثر من سبب ، منها انه مضى نحو عامين على تشكيل لجنة التحديث السياسي (حزيران 2021 )، كما أن مخاض العملية الحزبية انتهى بترخيص 27 حزبا، توزعت بين قديم تم ترميمه ، أو اندماجه، وبين جديد لم تتضح هويته بعد، زد على ذلك أن الخريطة الحزبية ما زالت تحتفظ بتضاريس الوضع القائم ، ولم تحدث أي فرق واضح لبناء وضع قادم مختلف ، فيما المجتمع الأردني لم يغادر ، حتى الآن، منصة "التمنع "عن الانخراط بالعمل الحزبي.
هل تحتاج هذه الحالة الحزبية إلى تقييم ؟بالتأكيد نعم ، إدارات الدولة ونخب المجتمع معنيه بالقيام بهذه المهمة ، لا يوجد لدي ما يلزم من معايير للحكم على التجربة ، لكن أشير ،فقط ،لعدة انطباعات، منها ان النخب التي سارعت لتشكيل الأحزاب انطلقت من قناعة واحدة ، وهي الاستعداد للتنافس على مقاعد البرلمان ، دون النظر لما يريده المجتمع منها ،وما يجب أن تقدمه لاقناعه بها ، ومنها ان النقاشات التي دارت داخل الأحزاب انحصرت في اعلى الهرم، ثم توافقت على توزيع الغنائم والمناصب ، وبالتالي غابت الصناديق تماما عن هذه النقاشات، ومنها أن بعض الأعضاء ، وبالتحديد الشباب، تفاجأوا بما جرى داخل أحزابهم فبدأوا يتحركون لإعلان رفضهم ومطالبتهم باستعادة شرعيتهم ودورهم، والدفاع عن مشروعهم أيضا.
لكي نفهم أكثر ، نحتاج إلى إجابات واضحة ، من داخل الأحزاب ،ومن إدارات الدولة المعنية بالموضوع ،عن عدة أسئلة ، منها كيف جرت عملية التشكيل الحزبي، هل كانت ولادة طبيعية خرجت من رحم المجتمع، ام اقحمت عليه، ثم من هم الفاعلون في المجال الحزبي ، أقصد الذين تصدروا المشهد وجلسوا على أعلى الهرم ، هل تطابقت الخارطة الحزبية القائمة مع متطلبات وطموحات التحديث السياسي ،كما أرادها الملك حين أطلق المبادرة ، ولماذا يتمنع الأردنيون عن المشاركة والانتساب للأحزاب ، و الأهم من يتحمل مسؤولية نجاح التجربة أو افشالها، لا سمح الله؟
إذا تذكرنا أن الأحزاب ستكون بمثابة "الناقل الوطني" للعملية السياسية للدولة الأردنية ، وهي تدخل مئويتها الثانية ، وأن الرهان عليها يتجاوز ما يفكر به بعض المسؤولين ،الذين يريدونها مجرد ديكور ، فإن مراجعة و تقييم ما حدث يبدو أولوية ضرورية ، وأعتقد أن هذا سيتم قريبا، ليس لأن بعض إدارات الدولة لديها ملاحظات حول العملية ، وإنما لأن الملك ،تحديدا، أوعز منذ البداية بعدم تدخل أي طرف لتعطيل التجربة ، وإذا حصل ذلك فإن المحاسبة ستكون حاضرة بلا تردد.
لأجل إقناع الأردنيين أن الأحزاب مطلب وطني ، واستحقاق واجب للمرحلة القادمة ، لابد أن نصارحهم بما حدث من أخطاء ، وبما يجب أن نفعله لتجاوزها ، صحيح الطريق ما زال في بدايته ، كما أن " البروفة" الحزبية الاولى قابلة للتطوير والتصحيح ، وصحيح أن رواسب الماضي ما زالت حاضرة بالمشهد السياسي ، لكن الصحيح ،أيضا ، أن بمقدور إدارات الدولة والمجتمع ، ومن واجبها ، أن تتوافق على إنضاج هذه التجربة وإنجاحها، من خلال حمايتها من العبث والمزايدة، وتحريرها من حسابات المصالح والأهواء الشخصية، لوضعها على سكة السلامة ، في إطار "مشروع دولة " عابر للوصايات والتدخلات، وبعيد عن مساطر توزيع المغانم والمكاسب ، والمشاحنات الضيقة.
هل وصلت الرسالة ؟ أعتقد أنها ستصل ، وأن حزيران القادم سيفاجئنا بأخبار سارة.