لمن يُصوّت الأتراك اليوم ؟
حسين الرّواشدة
من يحسم نتيجة الانتخابات الرئاسية اليوم في تركيا: رجب طيب أردوغان أم كمال كليتشدار اوغلو ؟
لا احد يعرف ،بالطبع، خلال الأيام الفائتة تعمدت أن أسأل الكثيرين ممن التقيتهم في اسطنبول : سائقي التاكسي ، الشباب في المطاعم والمقاهي ، بعض الصحفيين والخبراء السياسيين، بعض المقيمين العرب هناك ..وغيرهم، الإجابات والمتابعات تعكس حالة الانقسام التي تغلغلت داخل المجتمع التركي ، ليس ،فقط على جبهة تقدير المصالح والطموحات ، وإنما على صعيد الهويات وحسابات التاريخ ، و هواجس الجغرافيا ،تركيا أمام الصناديق ،وهي تبحث عن ذاتها ، تبدو قلقة ومنفعله ومرتبكة، ربما هذه المرة الأولى في تاريخها المعاصر التي تبدو كذلك.
الدين كان حاضرا بالمشهد الانتخابي ، حين سألت أحد الاتراك عن تركيا بدون أردوغان أجاب على الفور : أنها نهاية الإسلام لا قدر الله ، العلاقة مع الغرب كانت موجودة أيضا ، أحد الشباب حاول أن يقنعني ان كليتشدار هو الأفضل لمستقبل تركيا بالانفتاح على العالم ، ملف اللاجئين انتصب وأيقظ نوازع العنصرية، ومخاوف المقيمين العرب والأجانب ، كثير من الشباب السوريين والمصريين تضرعوا بالدعاء لاردو غان ، لانه هزيمته تعني طردهم خلال عامين، حادثة قطع الكهرباء ، وتعطيل حركة "الترامات "التي اتهم بها رئيس بلدية اسطنبول يوم المهرجان الذي نظمه حزب العدالة والتنمية ، فتحت الباب لسجالات طويلة استثمرها أردوغان بمكالمة مع الرجل المسن (اسمه حسين 80 عاما ) الذي أصر على المشاركة مشيا على الاقدام.
على طاولة الانتخابات حضرت كل الملفات : ملف الديمقراطية ومستقبلها ، حيث تتوزع هواجس الاتراك بين تجربة استثنائية عاشوها مع أردوغان ، و أخرى قادمة لا يعرفون من الأفضل من المرشحين الاثنين لاستدامتها أو تطويرها، ملف الإسلام السياسي الذي يشكل العلامة الفارقة بين برنامجي المرشحين ، ملف الهجرة واللجوء الذي داعب فيه أردوغان مؤيديه، واستخدمه كليتشدار لدغدغة نوازع القومية لدى قاعدته الانتخابية ، ملف العلاقات الدولية ، خاصة مع أمريكا أوروبا ، لا شك أن الاصوات التي جاءت من هناك لا تفضل فوز اردوغان ، ملف الإنجازات الاقتصادية ، لعل قصة القطار الممتد من الصين لتركيا التي قال كليتشدار انه حلم حياته ، ورد عليه وزير الاتصال بأنه مشروع قائم منذ عامين ، أنعشت حملة مؤيدي أردوغان للتذكير بما تحقق من مشروعات وضعت تركيا على قائمة أفضل 20 اقتصاد بالعالم.
خارطة الانتخابات ،أيضا ، تبدو معقدة، فعلى يسار مرشح المعارضة تجلس عدة قوى انشقت عن اردوغان بعد أن كانت جزءا من قاعدته او تجربته،: حزب السعادة الإسلامي ،وأحمد داود اوغلو( حزب المستقبل )، وعلي باباجان (حزب التقدم الديمقراطية )، وكذلك عبدالله جول، فيما يجلس على يسار أردوغان نجل أربكان الفاتح (حزب الرفاه الجديد )، و (هدى بار) الكردي ، واليسار الديمقراطي ، هذا التشكيل لدى المرشحين ربما يعكس محاولة كليهما ابراز حالة التنوع التي تميزه ، كما يعكس حالة الانقسام لدى القوى السياسية والاجتماعية والايديولوجية ، ومدى قدرة المتنافسين على استدعاء خصومات التاريخ السياسي ، واستثمارها الاستقطاب اصوات الاتراك.
أكيد ، تركيا مع انتصار جديد وأخير لأردوغان لن تكون مثل تركيا مع كليتشدار وحزب الشعب الجمهوري والطاولة السداسية، أكيد، أيضا ، ان انتصار أردوغان مع عدم حصول تحالف العدالة والتنمية على 300 عضو بالبرلمان سيكون هزيمة ل" الفتى الشجاع" الذي قاد تركيا على مدى عقدين واكثر ، وهذا ينطبق على كليتشدار أيضا ، أكيد، ثالثا ،أن أطرافا دولية وإقليمية دخلت على خط الانتخابات ،وفق مصالحها وحساباتها، لكن اصوات الاتراك هي وحدها من يحدد مسار تركيا في المرحلة القادمة ، أكيد، رابعا، أن مخاضات الصناديق التركية اليوم ستلد مفاجآت ، وربما زلازل ، تصب في الإقليم خارجه، وتشكل خرائط لتحالفات و تحولات جديدة .
أكيد ،أخيرا ، أن هذه التجربة التركية في الديمقراطية والانتخابات ستذكرنا بما افتقدناه في عالمنا العربي ، حيث لا مشروع ولا إنجازات حقيقية، ولا انتخابات نزيهة ، ولا مجتمعات حيّة تستنفر أمام الصناديق ،لتقول كلمتها ، وتقرر بإرادتها مستقبلها الذي تريد.