اذبح الفلسطينيين تتحسن شعبيتك
ماهر أبو طير
هذه هي فلسطين، منذ أكثر من خمسة وسبعين سنة، تدفع الدم ثمنا كل يوم، تدفع الثمن بعد كل الأثمان السابقة، من موجات اللجوء إلى سرقة الأرض، مرورا بكل هذه الجرائم.
أصبحنا أمس على جرائم قتل مروعة في غزة ونابلس، وقبلهما اقتحامات وجرائم في جنين، ومواقع ثانية، واعتداءات يومية على المسجد الاقصى، فيما تتفرج سلطة أوسلو التي شرعنت وجود إسرائيل، ومنحتها شهادة ولادة بتوقيع الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، مقابل وعد بدولة على الورق، تحولت الى كيان وظيفي، يصدر بيانات الشجب، مثله مثل أي دولة عربية أو إسلامية، أو أي دولة تطالب “أطراف الصراع” بضبط النفس، والتهدئة الفورية.
نحن قد نكون أمام حرب مفتوحة، خصوصا، أن عمليات القتل والتصفية في غزة، ستؤدي على الأغلب إلى ردود فعل، وهذا يفسر أن الاحتلال يجهز جمهوره لموجات الصواريخ، عبر فتح الملاجئ، قرب غلاف غزة، وفي بعض مناطق فلسطين المحتلة عام 1948، وهي حرب يريدها اليمين الإسرائيلي، وليس أدل على ذلك من ترحيب وزير الأمن القومي الإسرائيلي، بهذه العمليات، ومطالبته قبل أيام بقتل كل الأسرى الفلسطينيين، والتنكيل أكثر بهذا الشعب.
سوف تتواصل العمليات الإسرائيلية، خصوصا، أن الإعلام الإسرائيلي تحدث عن عملية مفتوحة لعدة أيام، مع استدعاء جنود الاحتياط، وإذا كانت العملية موجهة حاليا ضد فصيل محدد، فإن بقية الفصائل في غزة أمام إحراج وطني، إذ لم يعد مناسبا تقاسم الأدوار، أي قيام الفصيل المستهدف بالرد، وسكوت فصيل آخر، مما يعني أن الذي سيحدد خريطة الأيام القليلة المقبلة، طبيعة الرد الفلسطيني، وإذا ما كان من فصيل واحد أو أكثر، بما يعنيه ذلك من توسع لرقعة الرد، واشتداد العملية الإسرائيلية، ودخول الوسطاء لاحقا لتضميد الجراح، ودفن الجرائم.
في حسابات نتنياهو، تحقق هذه العملية عدة أهداف أبرزها ارضاء اليمين الديني والسياسي الإسرائيلي، وثانيها تثبيت صلابة حكومته أمام المخاوف من سقوطها بسبب الخلافات داخل تركيبتها، وثالثها إرجاء المخاطر المحتملة ضد حكومته من الشارع الإسرائيلي، لاعتبارات مختلفة، ورابعها تحسين شعبية الحكومة في نظر الاسرائيليين باعتبارها تبادر وتقوم بعمليات استباقية أو انتقامية من الفلسطينيين، برغم تلوينها بكونها مجرد رد فعل على ما يأتي من غزة.
هذه مجازر، وليست مجرد عمليات عسكرية عادية للاحتلال، والمجتمع الإسرائيلي الهش أساسا، لا يحتمل رد الفعل، خصوصا، إذا جاء موحدا وقويا، وستخرج الأصوات التي تندد بالحكومة الإسرائيلية والفريق الأكثر تطرفا فيها، والذي يقوم بادارتها، باعتباره هو الذي جلب اللعنات إلى مجتمع الاحتلال في توقيت حافل بالازمات.
استطلاعات الرأي الإسرائيلية الأخيرة كانت ضد نتنياهو، وكانت تشير إلى أن أكثر من 70 من الإسرائيليين غير راضين عن السياسة الأمنية الإسرائيلية، والمفارقة أن نتنياهو الذي يحتاج هذه الحرب لاعتباراته، لن يكون قادرا أيضا على تحمل كلفة الحرب، ولا كلفة استرضاء الإسرائيليين الذين سينقلبون مع ردود الفعل الى حالة التلاوم، بدلا من التصفيق للحكومة على عملياتها، خصوصا، في ظل الانقسامات داخل مجتمع الاحتلال التي تزيد من الصراعات.
فلسطين تنزف الدم، وكلما أراد سياسي إسرائيلي تحسين شعبيته، ذبح الفلسطينيين، بذرائع مختلفة، والدم لا يتوقف منذ أكثر من خمسة وسبعين عاما، وعلينا أن ننتظر إلى أين تذهب كل فلسطين خلال الأيام القليلة المقبلة، لان رد فعل الفلسطينيين سيولد رد فعل إسرائيلي، بما يجعل كل فلسطين أمام انفجار دموي، تكتفي معه سلطة اوسلو بالتنديد والشجب، ولا تمارس مهماتها، وتديم شرعية الاحتلال باعترافها بإسرائيل، وعجزها عن الاعتراف بكون اوسلو كانت خطيئة.
كل هذا يجري قبل عشرة أيام، من مسيرة الإعلام في القدس، والتجهيز لاقتحام ضخم جدا للمسجد الأقصى، بمناسبة ذكرى احتلال القدس عام 1967، والتي تسمى ذكرى ” توحيد القدس” بما يجعلنا أمام أيام دموية صعبة، بدأت فجر الثلاثاء في غزة، وستأخذنا إلى الحرم القدسي خلال أيام قليلة.