أطروحة دكتوراه في الجامعة الهاشمية تُحَلِّل "خطابات داعش" (صور)
نوقشت بقسم اللغة العربية في كلية الآداب في الجامعة الهاشمية، اليوم الثلاثاء، أطروحة دكتوراه للباحث عمر عواد الرداد في حقل اللسانيات وتحليل الخطاب بعنوان "خطابات تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) من منظور التحليل النقدي للخطاب"، بإشراف الأستاذ الدكتور عيسى برهومه أستاذ اللسانيات وتحليل الخطاب في الجامعة، وعضوية الأستاذ الدكتور فواز العبدالحق الزبون رئيس الجامعة، والأستاذة الدكتورة إيمان الكيلاني أستاذة في قسم اللغة العربية بالجامعة، والأستاذ الدكتور محمد عبيدالله أستاذ النقد والأدب/عميد كلية الآداب في جامعة فيلادلفيا.
وهدفت الأطروحة، إلى استقراء الأفكار والمقولات المؤسسة لخطابات تنظيم "داعش" وتحليلها، وفقًا لمنهجية التحليل النقدي لخطاب "الإرهاب بمستوياته النصية والخطابية التي تستيند إلى الدراسات "البينية" والدور المركزي للغة في تثبيت مقولات السلطة والإيدلويجا والهيمنة، واجتراح ممارسة نقدية لخطابات داعش، وإبراز تناقضها ومستويات المواءمة بين مقتضيات الخطابات والممارسات الفعلية، وفيما إذا كانت تتساوق مع خطابات "أعدائها" في هذه التناقضات، وبيان المقاربات المشتركة في خطابات الجماعات والحركات الإسلامية الأخرى، وتقاطعاتها في كليات النص والخطاب وتباينها في المستويات اللسانية والنصية، والقانون اللغوي والدلالي الذي انتجه خطاب داعش ودوره في نقل الرسالة الأيدولوجية لمستويات التلقي للخطاب (العدو، والموالي، والمحتل، وعناصر التنظيم).
وطرحت الدراسة إشكاليتها، عبر سؤال جوهري وهو: كيفية توظيف اللغة وتطويعها لخدمة تنظيم (داعش) وأفكاره وأيدولوجيته، وكيف يخفي التنظيم أيدولوجيته عبر التراكيب اللغوية، بوصفها أداة لإضمار سلطته وفرض هيمنته على الجمهور، وكيفية تصنيف خطابات تنظيم داعش، فيما إذا كانت خطابات: دينية، أم سياسية أو إعلامية، ومسارات تطور هذه الخطابات ومرجعياتها بالإضافة إلى خصائصها الأسلوبية والبلاغية، وعلاقتها بخطابات سابقة للحركات والجماعات الإسلامية، اتفاقا واختلافا؟. واعتمدت مقاربات التحليل النقدي للخطاب، ومنهج التحليل الوصفي، باختيار عينة للدارسة، تتكون من (134) مادة، شملت خطابات لقادة التنظيم وإصدارات مقروءة ومسموعة ومرئية تتمثل فيها المعطيات الخطابية للتنظيم منذ انطلاقته عام 2014 ولغاية 2022.
وخلصت الدراسة في تحليل الممارسة النصية لخطابات التنظيم، إلى أنه لا يملك سلطة مستقلة، بل "يسطو" على سلطات قائمة وقارة في اللغة والدين والمجتمع، وحجج وبراهين جاهزة، ويقدمها بوصفها سلطات خاصة به، مستثمرا تفسيراته الأحادية للنصوص الدينية، وبناء رهانات بالتأثير في مستويات التلقي، على ما توفره الافتراضات المسبقة، والمقاربة بين "الماضي والحاضر" وتصوراته للمدينة الفاضلة المنشودة التي تجسدها الخلافة الإسلامية بقيادته، وتقدمها بصيغة "خطبة الجمعة" بكل ما فيها من بنائية ومضمونية وقداسة.
وبيّن الباحث أن خطابات "داعش" تنتمي إلى طيف واسع من الخطابات الدينية، التي تقارب إشكاليات مفتوحة حول "الإسلام، الغرب والواقع" وتتقطاع مع الكثير منها، لكن التنظيم إنماز بإنتاج أيدولوجية هجينة، تستمد مقولاتها من مقاربات "إخوانية ووهابية"، ورغم هذه السمة الدينية لخطابات التنظيم، إلا أن تحليلها أبرز أنها تخفي خطابات موازية، ذات مضامين ساسية، مرتبطة بسياقات انطلاقه، بما فيها تداعيات "الربيع العربي" وأخرى مرتبطة بـ"الصراع الحضاري" بين الأمم، عكست مخاوف من العولمة وما بعد الحداثة، على الهوية والمقدس والسرديات الكبرى، وهي مخاوف يشترك فيها كثير من العرب والمسلمين بمعزل عن اتجاهاتهم وميولهم الدينية والفكرية.
وأوصت الدراسة بالتوسع في دراسة الخطابات بمقاربات التحليل النقدي، بما فيها خطابات الجماعات الإسلامية وغير الإسلامية "المسيحية واليهودية" لما يوفره هذا التحليل من انطلاقات بمرجعيات لسانية وخطابية، تنفذ لجدالات حول مضامين الخطابات، وتكشف أدوار الفاعلين فيها، وأهدافهم الحقيقية، لتأسيس نظرية نقدية، تحلل خطابات التطرف والكراهية المتبادلة برؤى جديدة، تمارس نقدصا ذاتيًا حقيقيًا، وصولا إلى تحليل الظاهرة الإرهابية من جوانبها كافة.
وقد ناقشت اللجنة الباحث في موضوع رسالته من جوانبها المنهجية المتعددة، وأشادت باختيار موضوع راهن، إذ يعد هذا التناول تجديدًا في موضوعات الدراسات العليا والرسائل الجامعية، بحيث لا تتجاوز الموضوعات المألوفة والمعهودة، وتنتقل لموضوعات تخدم المجتمع وتحلل الظواهر الخطابية بمرجعيات لسانيات النص والخطاب.
وقررت لجنة المناقشة في نهاية الجلسة إن الباحث عمر عود الرداد يستحق النجاح بجدارة، واوصت بمنحه درجة الدكتوراه في اللسانيات وتحليل الخطاب، بعد أن تقدم بأطروحته، ونجح في مناقشتها استكمالا لنيل هذه الدرجة العلمية المتقدمة.
ويذكر أن الباحث الرداد حاصل على بكالوريوس لغة عربية من جامعة اليرموك العام 1986، وماجستير الإعلام الإلكتروني من هولندا العام 2009، وماجستير لغة عربية من جامعة فلادلفيا العام 2020، بموضوع تحولات خطاب النكتة في الأردن من مؤسسة للإضحاك إلى تفكيلك "الخطابات القلعوية" وهو كاتب مقالات نقدية وسياسية وخبير في قضايا الأمن السياسي والإقليمي.