أجور متآكلة وحد أدنى شبه مغيب!
إعلان لا يخلو من الغرابة، تضمنه العدد الأخير من الجريدة الرسمية الصادر يوم الاثنين الماضي. فللمرة الأولى منذ العام 2000 عندما بدأت المملكة بتفعيل نص قانوني يقضي بتحديد الحد الأدنى للأجور التي يجب أن يتقاضاها العمال. فقد تضمن العدد إعلانا بتطبيق قرار اتخذ قبل ثلاث سنوات وترك دون تطبيق ليكون حدا أدنى للأجورعلى مدى عامي 2023 و 2024. وتكون قد حرمت القطاع العمالي مسبقا من حقه بمراجعة الأجور.
وبذلك تكون اللجنة المختصة قد واصلت التناقض مع الهدف المطلوب من وراء مهمتها بأن تكون المراجعة دورية وأن يكون هدفها الحفاظ على القوة الشرائية للرواتب التي تقل كثيرا عن المستوى العام للأجور. وأعطت أصحاب المؤسسات الصناعية والتجارية مبررا للتمسك بتلك القرارات وتطبيقها بالشكل الذي يخدم أغراضهم.
الإعلان جاء في وقت ساد فيه اعتقاد بأن الحكومة بصدد اتخاذ المزيد من الإجراءات التي تؤذن بتخطي وباء كورونا وتبعاته، وفي ضوء توقعات حكومية كشفت عنها الموازنة العامة بارتفاع نسبة النمو، وبعد أن تم إيقاف امر دفاع يقضي بوقف حبس المدين، ومن ذلك توقعات بأن الحكومة ستعطي الأولوية لقرارات تحسين أوضاع العاملين في القطاع الخاص، بالعودة إلى تنشيط عملية رفع الحد الأدنى للأجور، بعد تعطيل امتد عدة سنوات.
فعلى مستوى الشارع، يتم تسجيل ارتفاعات متواصلة في تكاليف المعيشة وزيادة في نسبة البطالة، بينما بقيت الأجور كما هي دون تغيير، باستثناء بعض التغييرات السلبية التي تم تفصيلها لصالح أصحاب رأس المال، ومنها فرض أعباء على مؤسسة الضمان الاجتماعي لتحمل أجزاء من رواتب العاملين لديهم، وتخفيض بعض الامتيازات التي تخص العمال ومنها اشتراكات الشيخوخة.
وبالتوازي، فقد حرمت المؤسسة العامة للضمان الاجتماعي الكثير من متقاعديها ميزة تعديل الرواتب لتعويضهم عن جزء بسيط من نسبة التضخم. وقامت بتوزيع تلك العوائد بعد احتسابها ضمن خيارات تقلل من حصيلتها على كافة المتقاعدين بالتساوي وبطريقة يعتقد خبراء أنها مخالفة.
ومع ذلك فالملاحظ أن الحد الأدنى للأجور يتشكل من مبلغ متدن جدا، لا يوفر الحد الأدنى من متطلبات العيش الكريم. أما غلاء المعيشة فيتم التحايل عليه وحصره في نطاقات ضيقة لا تسمن ولا تغني من جوع.
فالجهة المكلفة بتحديد الحد الأدنى للأجور لجنة ثلاثية تضم ممثلين عن الحكومة ـ وزارة العمل ـ والعمال ـ نقابات العمال ـ وأصحاب العمل ـ غرف التجارة والصناعة ـ .
وعلى الرغم من نص القانون بأن تصدر قراراتها توافقيا، فإن مخرجاتها عادة ما تكون مرضية لأصحاب العمل لكنها لا تتوافق مع مصالح العمال ومتطلباتهم ما يعني أن التوافقية لم تعد ميزة للعمال بقدر ما هي قيد عليهم باعتبارهم الحلقة الأضعف.
في بعد آخر، وعلى الرغم من أن تعديل الحد الأدنى للأجور يفترض أن يتم بشكل دوري لتغطية بعض ما تآكل من الأجور بسبب التضخم إلا أن نفوذ القطاع الخاص يبدو واضحا من خلال ممارسات عديدة أبرزها عدم دعوة اللجنة للاجتماع، وبالتالي تغييب عملية الرفع لسنوات، وحشر القرار ضمن إطارات ضيقة ومخرجات لا تفي بالغرض.
وما يزيد من حدة الشكوى، أن ظاهرة التهرب من المراجعة السنوية للحد الأدنى من الأجور، وربطها بمستوى التضخم، ظاهرة قديمة. يساعد على ذلك عدم وجود نصوص ملزمة، أو أن النصوص يمكن تفسيرها في أكثر من وجه. ما يعني أنها بحاجة إلى تعديل يجعل من حقوق العمال أولوية لا بد من الحفاظ عليها. ويجعل من الحكومة ضامنا لتلك الحقوق. وأن يصار إلى اعتماد قاعدة أساسية مضمونها الربط بين الرواتب والأجور وبين نسبة التضخم المعتمدة رسميا وتحت سلطة القضاء. وأن يعطى العمال حصة أكبر في تشكيل اللجنة المختصة بالأجور.