الأردن وسورية في منطوق الوزير
ماهر أبو طير
في المنطوق الرسمي لنائب رئيس الوزراء، وزير الخارجية، مصطلح يتكرر بشكل دائم، وهو ” العودة الطوعية” للأشقاء السوريين في الأردن، إلى سورية، بعد كل هذه السنين من الحرب.
معنى الكلام الرسمي واضح هنا، فلا عودة إجبارية، ولا حملات ترحيل قسرية، ولا قرارات على طريقة بعض الدول ضد السوريين، ولا ضغوطات سوف تمارس بأي شكل على السوريين من أجل العودة إلى سورية، ومغادرة الأردن، مثلما جرى في أغلب دول جوار الشقيقة سورية.
الأردن غير قادر لاعتبارات أخلاقية أولا، على فرض العودة على السوريين، إضافة إلى أن تفاهمات الأردن مع الدول والمؤسسات المانحة، تمنع الأردن من الضغط على السوريين للعودة، كما أن موقف الدول الغربية من الأردن، ونظرتها إلى الأردن مهمة كثيرا لدى عمان الرسمية، وهي التي تحصل دوما على شهادات إشادة سياسية من جانب هذه العواصم بسبب موقف الأردن من الازمة السورية، ودخول أكثر من مليون وربع مليون شقيق سوري.
مناسبة كل هذا الكلام ما صدر عن اجتماعات عمان، الذي شارك به وزير الخارجية السوري، حيث اشير إلى أن الوزراء اتفقوا على بدء الحكومة السورية، وبالتنسيق مع هيئات الأمم المتحدة ذات العلاقة، بتحديد الاحتياجات اللازمة لتحسين الخدمات العامة المقدمة في مناطق عودة اللاجئين، داخل سورية، للنظر في توفير مساهمات عربية ودولية فيها، مع توضيح الإجراءات التي ستتخذها لتسهيل عودتهم، بما في ذلك في إطار شمولهم في مراسيم العفو العام، وأكد الوزراء ضرورة التعاون بين الحكومة السورية والحكومة الأردنية، وبالتنسيق مع هيئات الأمم المتحدة ذات العلاقة، في تنظيم عملية عودة طوعية لحوالي ألف لاجئ سوري في الأردن، وبحيث تضمن الحكومة السورية توفير الظروف والمتطلبات اللازمة لعودتهم، وتوفر هيئات الأمم المتحدة احتياجاتهم الحياتية، وفق آليات عملها المعتمدة.
ما يقال هنا صراحة ودون تلاعب بالألفاظ، ان عملية عودة السوريين الطوعية من الأردن سوف تفشل، ولن تنجح، برغم التوافقات على بذل الجهود لعودتهم، حتى لو صدرت مراسيم العفو التي أشير اليها، عن بعض المطلوبين، أو عن بعض المتهربين من خدمة الجيش السوري، لان القصة اعقد بكثير من كونها مجرد ضمانات تقدمها دمشق الرسمية.
أغلب السوريين في الأردن، لا يريدون العودة بسبب إرث الشكوك بينهم وبين النظام وجراء ممارسات استمرت لعقود، وبسبب المعلومات التي تتدفق إليهم من أقاربهم داخل سورية، حول أعمال الثأر، والانتقام الأمني، وتصفية الحسابات العشائرية، إضافة إلى عدم وجود ضمانات بعدم التعرض للسوريين بعد سنة مثلا، أو سنتين حال عودتهم، كما أن سوء الأوضاع الاقتصادية والمعيشية داخل سورية، يؤدي إلى نفور السوريين وعدم عودتهم.
لا يحتاج أغلب السوريين إلى عملية إجلاء طوعية، بالتنسيق مع دمشق الرسمية، أو بوجود شراكة الأمم المتحدة، لان أغلب السوريين ليسوا بحاجة أصلا إلى “حافلة مجانية” ترفرف عليها أعلام الأمم المتحدة، لنقلهم إلى درعا أو حمص، وغالبية السوريين في الأردن، لا شيء يمنعهم من العودة بالمعنى الفني، فلا طلبات ملاحقة أمنية بحق كثيرين منهم من جانب دمشق الرسمية، ولديهم أقاربهم، أو أراضيهم، أو بيوتهم، أو ما تبقى من بيوتهم وممتلكاتهم.
الخلاصة هنا، تقول إن القصة ترتبط بموقف السوريين ذاتهم، وليس لحاجتهم لتدخل دولي، أو لعمليات إجلاء طوعية، توفر عليهم أجور النقل، عند عودتهم إلى بلادهم، خصوصا، أن معلومات السوريين ذاتهم تتحدث عن أزمات مستترة داخل سورية، من عصابات المخدرات إلى التغول الأمني، وصولا إلى المخاوف من انفجار الأزمة مجددا، وعدم وجود أي ضمانة في الدنيا، بعدم تجدد الأحداث بذات الطريقة، أو حتى بطريقة اسوأ لا يحتملها هؤلاء.
في فترات سابقة، تم فتح الحدود الأردنية مع سورية، فلم يعد إلا بضعة آلاف، وهذا يعني أن أغلبهم فضل البقاء هنا حيث اشتبك هؤلاء اقتصاديا واجتماعيا بالواقع الأردني، وعيونهم ترنو في الوقت ذاته إلى الهجرة إلى بلد ثالث، أي الخروج من الأردن إلى أي دولة غربية.
لا طوعية، ولا قسرية، والأمر متروك لله من قبل ومن بعد.