ارشيدات: تكلفة الأفراح والأتراح تعادل 15 ضعف راتب الموظف
يترتب على بعض السلوكيات المتعلقة بهدر الطعام والإسراف والبذخ والتبذير على حساب الجياع في العالم، آثار سلبية على الأمن الغذائي، وضياع المياه والطاقة المستخدمة في إنتاج الطعام، بل ربما تصل نتائجه إلى التأثير على المناخ العالمي بصورة أشمل.
وتقدر منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (FAO الفاو)، كميات الطعام المهدرة في المملكة بحوالي 950 ألف طن من الغذاء سنويا، وبالتالي فقدان 25 مليون متر مكعب من المياه المستخدمة في إنتاج هذه الكميات من الطعام.
ورصدت وكالة الأنباء الأردنية (بترا) الجهود الأردنية المبذولة للحد من هدر الطعام، ولا سيما تجربة فريدة في أحد المطاعم والفنادق، استطاعا من خلالها تصغير أحجام الأطباق على موائدها المفتوحة لتقليل كميات الطعام الزائد، بالإضافة إلى التعاون مع الجمعيات الخيرية لتوزيع ما تبقى من الأطعمة على مستحقيها انطلاقا من وعيها بالآثار المترتبة على هذه السلوكيات.
وتأخذ كثير من الجمعيات الخيرية على عاتقها مسؤولية جلب الطعام الصالح للاستهلاك الزائد لدى بعض الأسر أو ذلك المتبقي بعد الولائم المغلف بطريقة سليمة، مع الأخذ بعين الاعتبار إمكانية التواصل مع تلك الجمعيات لتوزيع الكميات الفائضة عن الحاجة.
وقال رئيس اتحاد الجمعيات الخيرية عمر شوشان لـ(بترا) إن لإنتاج الغذاء عموما بصمة مائية وبصمة كربونية، أي أن هدر الأطعمة هو هدر للمياه والطاقة المستخدمة في عملية الإنتاج سواء أكانت زراعية أو تصنيعية، لافتا إلى تقديرات منظمة (الفاو) لحجم الهدر في الطعام بالمملكة بنحو 950 ألف طن سنويا، فيما تبلغ حصة الفرد من هذا الهدر حوالي 95 كم، عدا عن حوالي 25 مليون متر مكعب سنويا المستخدمة في إنتاج الطعام.
وأضاف إن ممارسات هدر الطعام ترتبط ارتباطا مباشرا بالتكيف مع تداعيات التغير المناخي، ولا سيما أن الأردن يعد من الدول ذات الإجهاد المائي العالي، والحاجة إلى كل قطرة مياه حتى يتمكن من إدارة الطلب بشكل يحقق كفاءة وعدالة في ظل ندرة الموارد المائية.
من جانبه، بين ممثل منظمة (الفاو) في الأردن المهندس نبيل عساف، أن أبرز جهود المنظمة في هذا الصدد تتمثل بتعزيز نقل المعرفة والابتكارات في الزراعة والمناطق الريفية، وإصدار نشرات دورية حول حالة الغذاء على الأصعدة كافة، وتعزيز الجدوى والقدرة التنافسية لجميع أنواع الزراعة وتعزيز التقنيات المبتكرة والإدارة المستدامة للزراعة، بالإضافة إلى زيادة الوعي وتطوير برامج القدرات التي تسهل التعاون بين المسؤولين والمؤسسات الرئيسة المعنية بالأمن الغذائي مثل فقد الأغذية وهدرها.
وأشار إلى أن الإنتاج الزراعي يقدر بحوالي 2.2 مليار دولار، أي حوالي 5.6 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي، ويعمل حوالي 76 ألف أردني في قطاع الزراعة، أي ما يعادل 5.5 بالمئة من إجمالي العمالة الأردنية.
وفي سياق متصل، قالت المهندسة في وزارة الزراعة ندى فريحات إن الوزارة أطلقت مبادرة "لا لهدر الطعام" في تشرين الثاني الماضي بالتعاون مع منظمة (الفاو)، وبرنامج الأغذية العالمي للمساعدة في تنفيذ أنشطة المبادرة التي تتضمن إعداد دراسة تبين حجم الفاقد المهدر من الغذاء، وتنظيم حملات توعية إعلامية تستهدف الأسر والطلبة والمطاعم والفنادق لتعزيز ثقافة الابتكار في سبيل الحفاظ على الطعام، وتقليل الهدر، وتشجيع الشباب على الخروج بأفكار إبداعية تمهيدا لتبينها واحتضانها.
وأضافت أن الحملة تهدف إلى تشبيك الفنادق مع الجمعيات الخيرية والتعاون مع المنظمات الشريكة لتنفيذ المبادرة حتى يسهل توريد الكميات الفائضة من الطعام إلى العائلات المحتاجة.
وتحدث عامل في أحد الفنادق قاسم كفارنة عن الموائد المفتوحة التي تمكن الزبائن من إعادة تعبئة أطباقهم مرارا وصولا لمرحلة الشبع، لأن ملء الطبق كاملا وبدون إنهائه سيلقى في سلة القمامة، ولا يعود صالحا للاستهلاك البشري، من هنا جاءت فكرة تصغير الأطباق للتحكم بالكميات التي قد تتعرض للتلف.
وبين أن المطعم يتخذ خطوة استباقية بتحضير كمية مقدرة من الأصناف الغذائية، وفقا لعدد الأشخاص الذين سيحضرون المائدة بزيادة معقولة في الكمية، للحيلولة دون هدر الأغذية.
من جانبه، بين نائب رئيس بنك الطعام الأردني المهندس طلال الفايز أن البنك يندرج تحت مجموعة البنوك الإقليمية في المنطقة ومقرها الرئيس في مصر حيث جرى تعميم فكرة تصغير الأطباق في الموائد المفتوحة فيها لأول مرة، لأن طبيعة هذه الموائد تسمح بإعادة تعبئة هذه الأطباق مرات عدة حتى الإشباع، مؤكدا أن توعية المواطن بأهمية تبنيه لهذه الممارسات يصنع التغيير المنشود.
وأضاف، يتم التعامل مع الجمعيات المسجلة في البنك على نطاق واسع من المملكة بالتواصل مع البنك بشأن وجود فائض طعام بعد مناسبة معينة لإيصال الطعام إلى الأسر العفيفة، لأن ما يهدر من الطعام في بعض المناسبات يكفي بعض العائلات لأيام معدودة، كما يجري التعاون مع عدد من الفنادق في الأردن لتجميع الفائض وإعادة تعبئته وتوزيعه للعائلات المحتاجة.
وعرض مدير الأكاديمية الملكية لفنون الطهي الشيف جاك روسيل لإجراءات الأكاديمية كمؤسسة تعليمية في محاولة إحداث فرق بهذا الموقف من خلال وضع إرشادات صارمة لتحقيق سياسة عدم التسامح مع مبدأ هدر الطعام، وتعليم الطلاب كيفية التعامل مع المواد الخام من الطعام منذ لحظة استلامها وصولا لتناولها لتحقيق توافق كميات الطعام المنتجة مع عدد مستهلكيها إلى جانب توافق الكمية المستخدمة مع الكميات المنتجة.
وأشار إلى بحث الطلبة عن طرق مبتكرة لإعادة تدوير المكونات الخام أو الطعام المطبوخ؛ انطلاقا من فهمهم أهمية العيش والعمل بشكل مستدامة.
وقال نقيب أصحاب المطاعم والحلويات الأردنية عمر عواد إن الحد من هدر الطعام في المطاعم، يجب أن يكون أحد الأهداف الأساسية لها على اختلاف أنواعها، والتي قدر عددها بنحو 18 ألف مطعم.
وأوضح أن هناك عددا من المطاعم المتخصصة تجهز الطعام بناء على قائمة محددة، ووفقا لطلب الزبائن، ما يعني فاعلية في تقليص الهدر، وعلى النقيض من ذلك فإن بعض المطاعم التي تعنى بإعداد موائد طعام أو قائمة يومية لا تتمكن من ضبط الهدر، لأون إعداد الطبخ يتطلب وقتا طويلا، وهو أمر لا يرضي الزبائن ما يدفع هذه المطاعم للتحضير مسبقا، إلا في حال تم اعتماد المطاعم على نظام الحجوزات المسبقة بشكل يجعل مهمة تقدير الكميات الواجب طهوها ممكنا، وعندها يكون الهدر قليلا.
وأشار العواد إلى الحاجة لإعادة صياغة مفاهيمنا الاستهلاكية، فالزبائن وضمن مشاهد متكررة يطلبون طعاما يزيد عن كمية الاستهلاك، وللأسف يكون فقط للتذوق، وهنا لا يمكن إعادة تدويره أو الانتفاع به، ما يعني أننا بحاجة لتوعية حول نمط الاستهلاك.
وقال المحلل الاقتصادي مازن ارشيدات إن الأردن يعاني من مشكلة الهدر الغذائي، كما يلاحظ نمط الاستهلاك المفرط المبالغ فيه، فعلى سبيل المثال تقدر تكلفة إقامة الأفراح والأتراح حوالي 15 ضعف راتب الموظف، بينما في دول أخرى متقدمة لا تشكل سوى ضعف ونصف، ما يعطي مؤشرا حول النمط الاستهلاكي في الأردن.
وبين أنه ومع مرور السنين وحدوث الأزمات كأزمة جائحة كورونا والحرب الدائرة بين روسيا وأوكرانيا وارتفاع معدلات التضخم، وكون الأردن يستورد أكثر من 80 بالمئة من احتياجاته الغذائية من الخارج بالأسعار العالمية المرتفعة من المفترض أن ينعكس كل ذلك إيجابيا على جيب المواطن، ويبدأ بتغيير النمط الاستهلاكي نحو ترشيد النفقات وشراء كميات ضمن المعقول.