صور بلا إطار متماسك
مالك العثامنة
في الأردن، تذهب بسيارتك إلى مغسلة للسيارات.. وتنتهي بما يشبه ميدالية “تعليق” معطرة عليها صورة صدام حسين كإهداء من صاحب مغسلة السيارات.
في الشوارع، تجد ملصقات صدام حسين غالبا بلباسه العسكري على زجاج السيارات كحالة احتفاء به، أحيانا مصحوبة بعبارات “صدامية” مشهورة تتحدث عن المجد والفخر والبطولات التي انتهت بالرجل مشنوقا على يد شعبه نفسه.
أيضا، في الأردن، تجد ملصقات تحمل العلم التركي، وتعرف بعد السؤال أن كثيرا من الأردنيين باعوا ما تيسر لهم من أملاك أو حصلوا على قروض ليهاجروا إلى تركيا وانتهى بكثير منهم الحال اليوم مدينين مفلسين عالقين في هضبة الأناضول!
المفاجأة، أنك سترى علما تركيا ملصقا على جانب سيارة، وصورة صدام حسين على زجاج ذات السيارة!
صاحب السيارة المعتد بما ألصقه من رموز لا يدرك أن صدام وأردوغان، متوازيان لا يلتقيان، ولو تصادف لقاؤهما مجازا في غرفة واحدة فنحن أمام مجزرة دموية!
في الأردن كذلك، ملصقات تحمل رسوما لسيوف وبنادق تحيط باسم عشيرة أو قبيلة صاحب السيارة الذي يعبر بالملصقات ذاتها عن هويته المغلقة والمتعصبة!
في حضوري الأخير في الأردن، انتبهت لتفصيل بات عاديا، لكنه لافت بالنسبة لي، في الشوارع الرئيسة والفرعية، على أعمدة الإنارة أو إشارات المرور ولوحات التوجيه المروري لافتات معدنية مطبوعة تحمل أدعية وأذكارا إسلامية، أو “أسماء الله الحسنى” مفرودة على امتداد الشارع وبالاتجاهين، لا توقيع تحمله تلك اللافتات يكشف عن الجهة التي تتبناها، وحين تسأل البلديات فلا أحد يعرف شيئا عن ترخيصها (وهو متطلب أساسي وقانوني لأي لافتة في مكان عام)، واللافت أنها مصنوعة من معدن أو بلاستيك قوي بجودة طباعة عالية تتحمل تقلبات الفصول، وتم تركيبها بهدوء وثقة من قبل مجهولين لا يعرفهم أحد، هؤلاء المجهولون موارد بشرية لها كلفتها، تماما مثل تكلفة تلك اللافتات الصغيرة والكثيرة جدا والمنتشرة في كل المدن الأردنية والمطبوعة بعناية.
لا أنتقد محتوى اللافتات، فهي في مجملها مواعظ دينية أخلاقية من الأدبيات الإسلامية، لكن ما يثيرني هو البحث عن جواب لسؤال واحد: لماذا يتكلف أحدهم مبالغ مالية لطبع وتجهيز وتعليق تلك اللافتات ويبقى مجهولا أمام الجميع؟
كما يمكن أن نتجرأ – في حضرة دولة المواطنة للجميع حسب الدستور- أن نتساءل في موسم أعياد الميلاد إن كان يمكن لشركاء الوطن والمواطنة “المتساوية أمام القانون” أن يقوموا بتعليق عبارات إنجيلية ميلادية مثلا؟
حسنا، الجواب معروف، والذاكرة ما تزال حية بما أثارته عبارة إنجيلية “تسامحية” تم تعليقها على أحد جسور عمان قبل أعوام! وكانت موقعة باسم معلوم، ومرخصة حسب الأصول وتنكرت لها السلطات أمام أول موجة تعصب غاضبة.
كل ما ورد أعلاه، التقاطات بصرية لا يمكن إغفالها وأنت تخرج من اجتماعات في مكاتب أو صالونات نخب سياسية عديدة ومكثفة ومتخمة بالحديث عن “الإصلاح السياسي” في دولة دخلت مئويتها الثانية ، وقد أنجزت مئويتها الأولى بجدارة دولة، راهن الكثيرون في المائة عام الأولى على سقوطها، فسقط المراهنون وبقيت.
تلك الانطباعات كما الالتقاطات، هي عندي أفق متجدد من الأسئلة التي تتوالد في دولة تبحث عن استعادة مؤسساتها ودستورها وقوانينها، وتحلم بديمقراطية يتم بترها مع كل محاولة نهوض.
الصور والملصقات والرموز المعلقة متعددة وكثيرة في الأردن، وهو ما يعكس فوضى حواس “وطني” يبحث عن إطار متماسك يلملمه اسمه “الدولة”.