الأوروبيون يستكشفون دورهم في المنطقة
مراكز أبحاث أوروبية، وبتكليف من القيادات الرسمية للاتحاد الأوروبي، تجول المنطقة بحثا عن تفسيرات لعديد مما يجري، واستكشاف الأدوار التي قد تقوم بها أوروبا في المنطقة. الجهد جيد وإيجابي، والأرجح إن قدر له النجاح أنه سينعكس بالخير على الإقليمين؛ الشرق الأوسط وأوروبا. المبادرة منطقية في تقديري، جاءت محفزة بمشاهدات وتغيرات في أنماط العلاقات الدولية والإقليمية لا يجب أن تخطئها العين. أوروبا بعد الذي حصل في أوكرانيا تدرك تماما أن ما بعده ليس كذلك الذي قبله، وأنها لا يجب أن تستكين لمعادلات حفظت أمن القارة الأوروبية لعقود طويلة كالاعتماد المتبادل وغطاء الردع الدفاعي الأميركي. هذه لم تعد تصلح للحفاظ على أمن واستقرار أوروبا بدليل ما حدث في أوكرانيا. الولايات المتحدة أظهرت بوضوح أنها وإذا كانت ملتزمة بمعاهدة حلف شمال الأطلسي، والحفاظ على أمن واستقرار حلفائها في أوروبا، إلا أنها لن تفعل أكثر مما يفعلون، ولن تكون إلا جندي الإسناد الخلفي، وأن على أوروبا أن تدافع عن نفسها وأن تشمر عن ذراعيها، وتتحمل الكلفة العسكرية والاقتصادية الأعظم جراء أي مواجهة. أوروبا أدركت ذلك وهي تتغير وتتأقلم مع هذه الحقائق الجديدة.
المنطق نفسه يصلح للشرق الأوسط، فالولايات المتحدة وإن كانت الفاعل الأكبر في الأمن والاستقرار في الشرق الأوسط، والدور الصيني الأخير تكتيكي أكثر منه استراتيجي، وأميركا وإن ما تزال هي الضامن لأمن الخليج وإسرائيل ومصالح العالم في الإقليم، لكنها ما تزال ترغب وتتصرف في أحيان كثيرة أنها تريد إعادة التموضع باتجاه آسيا وروسيا بعد اجتياح أوكرانيا لأن هذه المناطق أهم استراتيجيا لها. لذلك، أوروبا معنية والحال تلك أن تلعب أدوارا قد تسهم بالأمن والاستقرار بالإقليم الشرق أوسطي، لا سيما أن ما يجري في الشرق الأوسط يؤثر على أوروبا بدرجات مضاعفة عن تلك التي تتأثر بها أميركا. خذ مثالا على ذلك أزمة اللجوء السوري الذي ضرب قلب أوروبا في حين بالكاد شعرت به أميركا، وانظر كيف أن النفط وأسعاره تؤثر على أوروبا أضعافا مضاعفة لتأثر أميركا كون هذه الأخيرة تمتلكه، واهتمامها بالنفط الخليجي سببه الأساس الاهتمام بتداعيات ذلك على الاقتصاد العالمي، وهذا مهم طبعا لكنه ليس بالأهمية الحيوية والمصيرية كما تلك التي لأوروبا.
أوروبا معنية تماما وأكثر بكثير من أميركا بأمن واستقرار الشرق الأوسط، لأن ما يحدث في الشرق الأوسط لن يبقى في الشرق الأوسط، وسيجد طريقه سريعا لأوروبا، وتزداد الحاجة لانتباه ودور أوروبي مختلف في الشرق الأوسط نظرا لاستمرار أميركا بسياسة إعادة التموضع خارجه بالملفات كافة بدءا من سورية، مرورا بالملف العراقي، وملف الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، وانتهاء بالاكتفاء بوعود الردع للبرنامج الإيراني النووي وليس بأكثر من ذلك. ليس المطلوب، ولا متوقع، دورا أوروبيا مكثفا ميدانيا على غرار ذلك الأميركي، فحركة دول أوروبا الجماعية متوقع أن تكون بطيئة حكما لأنها جماعية، ولكن ثمة أدوار كثيرة تستطيع من خلالها أوروبا أن تتكامل مع الدور الأميركي وتسهم بترسيخ معادلات الأمن والاستقرار في الشرق الأوسط.