ذمم مستحقة.. أرقام “صادمة”

{title}
أخبار الأردن -

سلامة الدرعاوي

شكّل تقرير اللجنة الماليّة لمجلس الأعيان حول مشروع قانون الموازنة العامّة لسنة 2023 حالة متطوّرة من النقاش، بتسليط الضوء على التحدّيات الّتي يتعرّض لها الاقتصاد الوطنيّ، وبتقديمه مقترحات واقعيّة قابلة للتطبيق والتنفيذ في حال توفّرت الإرادة السياسيّة الرسميّة لذلك.

ما قدّمته اللجنة الماليّة في التقرير من حقائق يستدعي الوقوف الحكوميّ عندها بتمعّن وتقييم لما سلّطت الضوء عليه من قضايا مفصليّة لها تأثير بالغ على الاقتصاد الوطنيّ واستقراره.

إحدى تلك القضايا الّتي تناولها تقرير اللجنة الماليّة هو موضوع الذمّة الماليّة المستحقّة على الحكومة لصالح القطاع الخاصّ، وهي فعلاً أرقام صادمة أكثر ممّا كان سائداً في أذهان الكثير ومنهم كاتب هذا المقال.

التقرير أشار إلى ذمم مستحقّة بمبلغ 2.125 مليار دينار، تشكّل مديونيّة لمؤسّسات تتبع لإشراف حكوميّ مباشر أو مؤسّسات أهليّة وتعليميّة بعضها مكفول من الدولة، موزّعة على النحو الآتي: 460 مليون دينار مستحقّات لمستشفيات الحسين للسرطان والجامعة الأردنيّة والملك المؤسّس، و190 مليون دينار للجامعات الرسميّة، و450 مليون دينار لمصفاة البترول وشركات توزيع المحروقات، و985 مليون دينار لأمانة عمّان والبلديّات، و40 مليون دينار لصندوق مرضى الكلى، ويضاف إلى هذا المبلغ عجز متوقّع لشركة الكهرباء الوطنيّة (500 مليون دينار) وعجز سلطة المياه (250 مليون دينار) سنويّاً.

والسؤال الّذي يطرح في هذا الشأن، كيف وصلت هذه الذمم إلى هذا المستوى الصادم من الأرقام ؟.

لا شكّ أنّ أرقام الذمّم هذه لا تدخل ضمن هيكل المديونيّة العامّة، ولا تدخل في احتسابات عجز الموازنة، ولو دخلت في العمليّة الاحتسابيّة لشاهدنا أرقام دين وعجز أكبر بكثير ممّا أعلن عنه في قانون الموازنة العامّة.

شخصيّاً لا أعتقد أنّ وزارة الماليّة تتحمّل وزر هذه الأرقام الصادمة في الذمم، رغم أنّها صاحبة الولاية العامّة في إدارة الماليّة العامّة، فشكل الذمّم وتوزيعاتهم بالشكل السابق يوحي بخروج المسؤولين في المؤسّسات والهيئات خارج الحكومة المركزيّة عن النفقات المقرّة لهم في قانون الموازنة العامّة خاصّة الهيئات المستقلّة.

سبب آخر في تنامي الإنفاق هو مجلس الوزراء بحدّ ذاته، فمسؤوليّة الالتزام بقانون الموازنة هي مسؤوليّة كاملة لمجلس الوزراء ولا يجوز أن يسمح بأيّ شكل من أشكال المخالفة لهذا القانون الّذي يستوجب كلّ الالتزام بتنفيذه والتقيّد ببنوده خاصّة في مجال عدم تجاوز بند النفقات العامّ.

كلّ الوزارات في الدولة وهيئاتها المستقلّة لديها ميزانيّات رسميّة، وحدود معيّنة للإنفاق، وهنا يستوجب الأمر تقيّد المؤسّسات بكافّة أشكالها ببنود الإنفاق الّتي أقرّت لها في موازنة الدولة، ولا يجوز مخالفتها بأيّ شكل من الأشكال، وفي حال مخالفتها فإنّ ذلك يشكّل تقصيراً إداريّاً في تلك المؤسّسة أو الهيئة في تنفيذ قانون يستدعي حينها المساءلة والمحاسبة على التقصير.

طبعاً في الحالات الطارئة- وهي حالات استثنائيّة وليست عامّة – يكون هناك حساب خاصّ للخزينة يسمّى حساب الطوارئ يستخدم فقط في حال وجود ظروف تستدعي ذلك ولا يستخدم لأغراض النفقات التشغيليّة المخالف بعضها لبنود قانون الموازنة.

الأصل ألا تتنامى هذه المديونيّة عن هذه المستويات المقلقة، وأن يكون لدى الحكومة برنامج للسداد خلال فترة زمنيّة معيّنة، حتّى لو اضطرّت أن تقترض لسداد ذمم القطاع الخاصّ، فالتأخّر في سدادها يعني مزيداً من الضغوط الماليّة على تلك الشركات، ممّا قد يتسبّب في إلحاق خسائر بها أو الحدّ من قدرتها التوسّعيّة والاستثماريّة، فهل تمتلك الحكومة خريطة طريق لحلّ هذه الإشكاليّة؟.

 

تابعونا على جوجل نيوز
تصميم و تطوير