زيارة أبعد من الإنساني
د. محمد حسين المومني
كان يمكن الاكتفاء بإرسال مساعدات إنسانية من الأردن لسورية بعد مصابها بالزلزال، ولكن واضح أن زيارة وزير الخارجية تأتي لغايات أبعد من ذلك، استثمرت الأجواء الإنسانية المرتبطة بالزلزال لكي تقوم بمزيد من الاستكشاف للأوضاع السياسية في الذهنية السورية، وإلى أي مدى اقتربت سورية أو اقتنعت بضرورة تغيير السلوك لكي يتمكن من يريد مساعدتها من أن يساعدها. إذن الوصف الأدق لهذه الزيارة أنها أتت لأجل إيصال رسالة واضحة للقيادة السورية فحواها: “ساعدونا لكي نتمكن من مساعدتكم”، أي تقدموا بخطوات نحو المجتمع الدولي وعدد من الدول العربية المفتاحية وبعض من توقعاتها لكي نستطيع مساعدتكم، والمساعدة هنا التي تحتاجها سورية تأتي ضمن: العودة لأطر الانفتاح والتعاون العربي، وتخفيف وطأة العقوبات الدولية، والبدء بإعادة بناء ما تدمر من سورية، فهذه مصالح كبيرة لسورية وللدول العربية المعنية بها، خاصة تلك المجاورة لها.
غير واضح للآن الى أي مدى تنحى السياسة السورية للبرغماتية والتصرف بطريقة تحقق مصالحها الاقتصادية والعودة للحضن العربي، أم أنها ما تزال تعيش حالة انتشاء جراء الصمود والانتصار على المعارضة، وتشعر بعدم الحاجة لتقديم تنازلات لأي كان بعد الانتصار. تجربتنا مع سورية توحي أن لديها كما كبيرا من العناد السياسي، وأحيانا الغرور، وقد أدت هذه العقلية لمراكمة كم كبير من الخصوم الذين استعدتهم سورية الواحد تلو الآخر في بدايات حربها. منذ فترة من الزمن، اتزنت تصريحات سورية وهذا جيد، ولكن لم ينعكس بعد على تغييرات حقيقية في السلوك، والمثال الأوضح على ذلك تعاملها مع مسألة اللاجئين السوريين، وعدم إعطاء الضمانات الأمنية والإنسانية الكافية لضمان عودتهم، بل إن سورية تتعامل وكأنها غير معنية بهؤلاء ولا ترغب بالضرورة بعودتهم، وهو أمر يمس مباشرة مصالح الدول المحيطة بسورية. مثال آخر، وهو استمرار السماح بالتغلغل الإيراني في سورية أمنيا وعسكريا واجتماعيا ودينيا، وبصورة متنامية لن تقوى سورية ذاتها على مقاومتها في المستقبل. صحيح أن سورية ليست في وضع يسمح لها سياسيا أو ميدانيا للطلب من إيران المغادرة فورا، فهذا أمر له تكلفته وخطورته، ولكن أقلها مزيد من الإدراك أن وجود إيران وتغولها في سورية يشكل تهديدا لكثير من دول الإقليم والعالم، وهذا أيضا له تكلفته أيضا على سورية.
من المبكر الحكم ما إذا كانت بوادر إدراك ضرورات المستقبل ومتطلباته الاقتصادية والأمنية في سورية، ولا يجب لأي أحد أن يرفع من سقف التوقعات، بيد أن الاستمرار بمحاولات حثها واستمالتها لكي تغير من سلوكها هو الشيء الذي يجب الاستمرار بعمله. لا تستطيع الكثير من الدول معاندة المجتمع الدولي ونظام عقوباته على سورية، ولا بد أن تدرك سورية ذلك، وأن تتقدم خطوات لكي تساعد من يحاولون مساعدتها، وبغير ذلك فبذور ثورة ثانية تلوح بالأفق، أسبابها ضيق الحال وأوضاع اقتصادية صعبة لن تقوى سورية على مقاومتها أو التعايش معها.