هكذا تتشكل الأحزاب وتتصرف
حسين الرواشدة
تتشكل الأحزاب في العاصمة عمان ، ثم تتمدد إلى الأطراف ،على خجل ، لملئ خزانات العضوية، امتثالا لقانون الأحزاب الجديد ، صحيح الجغرافيا الحزبية موجودة ، لكنها تبدو مشوّهة ، خذ -مثلا - الأحزاب الوليدة ، ستكتشف أن الذين يتصدرون المشهد يتوزعون على جغرافيا محددة ، المدن الكبرى الثلاثة، فيما تبدو المحافظات الأخرى " مجدبة"، وكأن أرحامها عقمت أن تلد زعامات حزبية ،الحضور النسائي ، أيضا، متواضع ، لا يوجد امرأة تجلس على مقعد امانة أي حزب.
سيكولوجيا الأحزاب، أو أن شئت، نفسية بعض القائمين عليها تبدو مشوهه أحيانا ، الذين قفزوا إلى المقاعد الحزبية، أو جلسوا في قمرة القيادة خلف الدفه ، تسمّروا على مقاعدهم ، وأحكموا قبضتهم على "المقود "، ورفضوا أن يتنازلوا عن القيادة والزعامة، وفي احسن الاحوال تبادلوها فيما بينهم ، وهكذا تحولت بعض الأحزاب إلى ملكيات عقارية، لا تتغير وجوه الذين يتقدمون صفوفها الا إذا انفجرت براميل الصبر ، عندها يتحول الإخوان والرفاق إلى أعداء .
على عتبة بعض الأحزاب يقف الشباب جاهزين لحمل أوامر الكبار و مقرراتهم، يعتقدون ان مشروع الحزب يستحق أن يضحوا من أجله بوقتهم وجهدهم، وربما بما لديهم من أموال قليلة ، الشباب مجموعة من "الشيّالة"، أغلبهم يتوقدون حماسا ، وإيمانا بالفكرة والصالح العام ، لكنهم يكتشفون ،فجأة، أن قدرهم الحزبي فرض عليهم أن يبقوا جالسين على العتبة إلى الأبد ، فالزعامة (مجازا هنا ) لا تسمح لهؤلاء بالدخول للمواقع العليا ، الشباب ، في نظرهم ،سيبقون قليلي خبرة ، حتى لو تجاوزت أعمارهم الخمسين عاما ، ببساطة لأن صلاحية الكبار تمتد لنهاية العمر .
اغلبية الأحزاب تبدو صورة مطابقة ،تماما، للإدارات العامة ،و الحكومات المتعاقبة ، بكل ما فيها من بيروقراطية واحتكارات سياسية وإدارية ومعرفية ، ومن "مشيخات " وظيفية ، ومصائد لاغتيال الأفكار والقرارات و الكفاءات ، ومنصات فساد مخفية ، وسواطير لتكسير مجاديف من يتجرأ على النقد ، وبالتالي ،الحال من بعضه ، أخشى ما أخشاه أن الذين يتقدمون لتغيير الوضع القائم أو الصورة ، سيكونون نسخة مشابهة للواقع ، ما لم يستثمروا العامين القادمين لإجراء "إعادة هيكلة " ، ليس لتغيير الوجوه القديمة فقط ،وإنما للتحرر من الواقع القائم ، وتحديث مشاريعهم الحزبية برمتها .
تتحدث الأحزاب ،عموما، القديمة والجديدة ، بمنطق الايدولوجيا لإلهام الأعضاء والمعجبين، او بمنطق السلطة القادمة لتوزيع الغنائم السياسية ، أو بمنطق البزنس والمال ، لضمان استمرار الاحتكار على جبهتي السياسة والاقتصاد ، ومع اختلاف هذا المنطق تبعا لاعتبارات المنشأ والغايات ، فإنها تتحول بسرعة إلى "عشائر سياسية"، بكل ما تفرضه اعراف وتقاليد العشيرة من سطوة على الأداء والحركة والاستقطاب ، لكن هذه العشائر السياسية مازالت عاجزة عن منافسة العشيرة الاجتماعية ، و إقناعها بالاندماج فيها سياسيا، لأنها، ببساطة ، لا تشكل ملاذا آمنا للأجيال التي تبحث عن مشروعها الوطني، او عن فرصتها في المشاركات الوطنية.
هنا بيت القصيد ، الحياة الحزبية بحاجة إلى مشاريع وطنية حقيقية ، أو "قضية اردنية" تحملها إلى الأردنيين ، و تقنعهم بها، بحاجة للخروج من مظلة الوصايات والمناكفات ، وحالة الحرد السياسي ، ومن أساطير الخمسينيات ،وارتداداتها ، ومن فكرة" اركب معنا " ، ومن سلطة الآباء المؤسسين الواجب طاعتهم ، والقيادات التي لا تريد أن تتخلى عن مقاعدها الوثيرة.
نعم ، للخروج من كل هذه النوازل والوقائع ، نحتاج لصناعة حالة حزبية اردنية جديدة ، تتناسب مع انكشاف المشهد العام ، و تصاعد الوعي السياسي والاجتماعي ،خاصة لدى الشباب، ثم تراكم الأزمات التي تواجه الدولة ، والتحديات التي تتعرض لها ، والأخطار القادمة المحدقة بها ، مسار الخروج يحتاج ، ايضا، إلى قيادات شابة جديدة ، وبرامج مقنعة، وتوافقات سياسية واجتماعية، تجيب على أسئلة الناس ، وتعيد ترسيم العلاقة مع الدولة والمجتمع ، بشكل واضح لا يقبل اللبس.