نعم لحقوق الدائن
سلامة الدرعاوي
لا يعنينا كثيراً توجه الدولة لمنع حبس المدين، فهي لها تقديراتها الخاصة بذلك، وهي صاحبة القرار في هذا الشأن، وإن أرادت أن تقدم له الحوافز والتسهيلات غير منع حبسه فهي حرة في ذلك أيضاً، فهي تسعى في النهاية إلى مواكبة التزاماتها المحلية مع الاتفاقيات الدولية، وأنا شخصياً مع ذلك، فلا يمكن للأردن أن يعزل نفسه عن تلك الالتزامات الخارجية، خاصة وأن المملكة تعتمد كلياً على المساعدات في تمويل نفقاتها المتزايدة، وبالتالي لا يعقل أن تعزل نفسها أو تعارض أو تقف عكس التيار، فالواقع يفرض نفسه.
لكن ما يعنينا هو حق الدائن، فإذا أرادت الدولة منع حبس المدين في نهاية المطاف كما هو مخطط لها ذلك، فعليها أن تعيد تنظيم المعادلة بين الطرفين، فالدائن هو صاحب حق، ولا يجوز أن تكون الحملة التي تطلقها الحكومة ومؤسساتها فقط باتجاه حبس المدين على اعتبار أنه جهة مظلومة، فالدائن صاحب حق أيضاً، وهو أيضاً يخضع لنفس المعايير التي يحكم على المدين بها، فهناك المؤجر والتاجر والصانع والمؤسسات الممولة للعلميات الإنتاجية والاقتصادية المختلفة، فكلهم جميعاً لهم حقوق ولا يجوز التهاون في تحصيل أموالهم، لأن ذلك يؤثر على العملية الاقتصادية برمتها، وسيؤدي حتماً إلى زعزعة المشهد الاقتصادي العام، والذي يساهم جلياً في تراجع المعاملات، مما قد يساهم في إضعاف النشاط الإنتاجي والمعاملاتي اليومي، وهذا كله ستكون له تداعيات سلبية في العلاقات التعاقدية بين الأطراف المعنية من دائن ومدين.
نعم لحقوق الدائن في تحصيل كامل حقوقه من المدين الذي تريد الدولة أن تمنع حبسه بحجة أن الحبس لا يحقق المطلوب في تحصيل الحقوق، إضافة إلى أن بعض الأصوات بدأت بالمناداة بمنع حبس المدين لأن السجون ليس لديها السعة الكافية وغيرها من المبررات التي في اعتقادي أنها مبررات هزلية وأقرب إلى الشعبويات البعيدة عن المساس بحقيقة المشكلة من أساسها.
الأساس إن أرادت الحكومة أن تمنع حبس المدين أن تتكرم من جيوبها لسداد حقوق الدائنين، وأن تطبق هذا الأمر على نفسها وسلوكياتها في تحصيل حقوقها من المواطنين ومؤسسات القطاع الخاص في حال تعثرهم عن السداد لمستحقات الخزينة من ضريبة وجمارك ورسوم مختلفة، فهل تقبل بهذا الأمر، لا تقوم بالحجز على المتعثرين والمتخلفين عن السداد وعدم تحويلهم للمحاكم في حال كانت المبالغ أقل من خمسة آلاف دينار على سبيل المثال لا الحصر.
الحكومة الساعية لمنع حبس المدين تخرج نفسها من هذه المعادلة وتقوم بكل ما أوتيت من سلطة لتحصيل حقوقها بكل فلس لصالح الخزينة، فهي لا تتنازل أبداً في هذا الأمر باعتباره أمراً مقدساً لا يجوز التهاون أو التسامح في أموال الخزينة، لكن هذه النظرة قاصرة للأسف عن حقوق المواطنين الدائنين.
الدائنون لهم حقوق لا يمكن لأي جهة كانت أن تعيق تحصيلها، والدولة مطالبة بحمايتهم من التوظيف الخاطئ للسلطة، وهذا يكون بالتفريق أولاً بين من هو متعثر لأسباب حقيقية، وبين من تعرض لعمليات ربوية بمرأى ومسمع من الدولة، وقع فريستها آلاف الضحايا خاصة من السيدات في المحافظات مقابل شراء هاتف لزوجها أو ابنها وتوقيعها كمبيالات في ذلك، وبين من هو محتال، قام بتهريب أمواله للخارج أو نصب على المواطنين، فهذا أمر يجب أن يكون في إطار الجرم العام وعدم التهاون في التصدي لتلك الظواهر.
نعم لحق الدائن وحمايته من عمليات النصب والاحتيال التي بدأت تظهر في المجتمع بشكل متسارع، ويكون هذا بإنشاء نظام معلوماتي متكامل عن المدين، وآليات عملية لتتبعه، ومعرفة كيفية عمله وتطور نشاطه باتجاه السير في خطى سداد الدائن، وإلزامه بالدفع فور توفر عائد مادي لديه، مع إجراءات وقائية لمنع حالات النصب والاحتيال.
المعاملات الربوية التي تتنامى من قبل بعض الجهات وبطريقة علنية، مصحوبة بتوفر نظام ائتماني شامل يسمح للدائن بالاستعلام الدقيق عن المدين، والاطلاع على هيكله المالي لمساعدته في منحه التسهيلات، وغير ذلك سيكون هناك طرف فقد حقوقه في المعادلة وهو الدائن.