أسباب أخرى لارتفاع معدلات البطالة
أحمد عوض
ما تزال معدلات البطالة واستقرارها عند مستويات قياسية منذ سنوات تشكل حالة ضاغطة على مختلف صنّاع السياسات ومراقبيها، باعتبارها مؤشرا أساسيا على مدى صوابية السياسات الاقتصادية من عدمها.
كتبنا في هذا الموضع أكثر من مرة عن الأسباب الجوهرية التي أدت إلى الارتفاع الكبير في معدلات البطالة، وكتب كثير من المختصين عنها أيضا، ولكن أهمية الموضوع، والمؤشرات العالية لهذا المؤشر تدعونا إلى العودة إليه مرات ومرات، لأن وصول معدل البطالة إلى (23.1 بالمائة، وبين النساء 33.1 بالمائة وبين الشباب 47 بالمائة) ليس أمرا عاديا، ويتطلب البحث والكشف عن التفاصيل والمسببات.
إضافة إلى تراجع معدلات النمو الاقتصادي وضعف الاستثمار والتشوهات في النظام التعليمي، وغيرها من السياسات الاقتصادية التي أرهقت الاقتصاد، وتناولناها غير مرة، فإن تراجع شروط العمل وعلى رأسها المستويات منخفضة الأجور للغالبية العظمى من العاملين، أدت الى نشوء فئة موظفين لا تكفي أجورهم التي يحصلون عليها لتغطية حاجاتهم وحاجات أسرهم المعيشية، فيضطرون للعمل في مهن أخرى، يحصلون من خلالها على دخل إضافي يساهم في تمكينهم من العيش بكرامة.
يضاف إلى هذه الفئة، المتقاعدون الذين لا تغطي رواتبهم التقاعدية احتياجات أسرهم، إذ إن الأجور المنخفضة سيترتب عليها بالضرورة رواتب تقاعدية منخفضة.
وغالبا ما يعمل هؤلاء في وظائف متوافرة في الاقتصاد غير المنظم، مثل العمل في مهن سائقي سيارات لنقل الركاب والبضائع، وأعمال الإنشاءات المختلفة والزراعة والأعمال الإدارية، وغيرها من المهن المتوافرة في سوق العمل الأردني.
وهذا النوع من الأعمال منتشر على نطاق واسع في الأردن، وهو ضرورة لتمكين أفراد المجتمع من تأمين احتياجاتهم الأساسية، إلا أن الوظائف التي يعمل فيها هؤلاء هي وظائف ومناصب يفترض أن يشغلها ناشطون اقتصاديون عاملون في المجتمع، ما ساهم في إغلاق هذه الوظائف أمام الداخلين الجدد إلى سوق العمل، وبالتالي ارتفاع معدلات البطالة إلى جانب العوامل الأخرى.
في تقرير أولي أعده فريق الباحثين في مركز الفينيق للدراسات الاقتصادية، ظهر جليا أن غالبية العاملين في هذا النوع من الأعمال هم موظفون في القطاع العام وبمختلف أنواعهم، حيث تسمح بذلك ساعات العمل القصيرة مقارنة مع القطاع الخاص، وتسمح طبيعة بعض فئاتهم بالعمل لأيام متواصلة.
هذه ليست دعوة لمنع هذا النوع من الأعمال، لأنه يمكّن قطاعات واسعة من المجتمع من الحصول على دخول إضافية للعيش بكرامة، وتأمين احتياجاتهم وتحسين جودة حياتهم، ونحن هنا لا نتحدث عن مجموعة صغيرة تضطر للعمل في وظائف إضافية أو بعد تقاعدها، وإنما نتحدث عن مئات الآلاف.
هذه محاولة لفهم أوسع لظاهرة البطالة واستمرارها عند مستويات مرتفعة جدا، وهي دعوة أيضا لمراجعة السياسات الاقتصادية التي عملنا عليها خلال العقود الثلاثة الماضية، وعلى وجه الخصوص سياسة الأجور المنخفضة، فهي لم تؤثر فقط على إضعاف الطلب المحلي الذي هو أحد محركات النمو الاقتصادي، بل وساهم أيضا في رفع معدلات البطالة من خلال اضطرار العاملين إلى العمل بوظائف ومهن إضافية، كان يمكن أن تكون من نصيب الداخلين الجدد إلى سوق العمل.