غرائبية السياسة.. فن التدمير..!

{title}
أخبار الأردن -

علاء الدين أبو زينة

السياسات التي تنتهجها مختلف أنواع أنظمة الحكم في العالم تحيرنا نحن مواطني العالم العاديين، إنها تضج بالمفارقات الواضحة والتناقضات وازدواجية المعايير، ونتائجها الكلية على المستوى الجمعي هي العالم المتعَب المليء بالصراعات والموت والتشريد والمظالم، ويُسار به حثيثاً إلى كارثة نهائية بعمل الأسلحة النووية أو الدمار البيئي. والشعور هو القهر والعجز أمام طغيان القوى التي تفرض هذه العدوانية في العالم بمبررات متهافتة لا تُقنع طفلًا.

سوف يفضي تعقب مسارات الأحداث الكلية في العالم دائمًا إلى أفراد وحاشيات ونخب قليلة، نافذة وثرية، تمتلك أدوات فرض الخيارات التي تُعظم سلطتها ومكاسبها، وتسوق سياساتها المفروضة الخادمة للذات تحت عناوين “المصلحة الوطنية”، “المصلحة العامة”، “السلم الاجتماعي والسلام العالمي” وما شابه. وتعمل بقية البشرية، على ما يبدو، في خدمة هذه الفئة النافذة -بالأجر، بالاقتناع/ الإيمان، أو بدفع الحفاظ الطبيعي على البقاء الذي يضيق الخيارات.

ثمة الذين يعملون في الجيوش، وأجهزة الأمن، وحراسة السجون، ومكافحة الشغب، وتصنيع الأسلحة وأدوات القتل، الذين يحرسون بقاء الفئة النافذة في قمة الهرم وثروتها؛ ومراكز الفكر والإعلام وصناعة الخطاب التي تسوق سياساتها وتمنحها “الشرعية”. وثمة الذين يعملون في كل قطاع، المُزارِع، والموظف العام، وصاحب المتجر وعامل البناء – وما شئتم- ليكون حاصل عملهم النهائي هو إدامة وتعظيم حيازات ونفوذ تلك الفئة نفسها التي تُقدر بأنها 1 % من سكان العالم، وتشغّل الـ99 % الباقين ليصب في خزائنها فائض قيمة عملهم.

صحيح أن الناس يكافحون لحماية – وتعظيم- حيازاتهم الشخصية. لكن الناس وما لَهم هم جزء من الحيازات الكبرى، حيث الأحلاف السياسية والرأسمالية هي مالكة الأوطان، مثل صاحب المزرعة المسورة، التي يقيم عمالها في بيوت مستأجرة أو مملوكة، ويأكلون من ناتج عملهم فيها، لكنّ الربح الآتي من مجموع التفاعلات تذهب إلى خزائن المالك الكبير ومساعديه من رؤساء العمل.

في أميركا، أم الحريات والرفاه وتحرير الإنسانية ونشر الديمقراطية، يحتج الـ99 % على جشع الـ1 % من أصحاب المجمع الصناعي العسكري وأصحاب الشركات وشركائهم الساسة الذين يسوقون بضاعتهم. والمفارقة أن دافع الضرائب يدفع رواتب حرس هذه الفئة، ويدفع الناس في بقية العالم كلفة إدامتها بالدم والدموع. بالقدر الذي يخصنا، مثلًا، يدفع الأميركيون كلفة تسليح وتمويل الكيان الصهيوني، الذي يشتري له لوبيه الساسة الذين يقررون تمويله ويبررون العلاقة “التي لا تنفصم” به. ويدفع الفلسطينيون ثمن بقاء هذا الكيان ورعاته من دمه وحريته ومستقبله وإنسانيته، ويدفع العرب والإقليم الكلفة بالتوتر وعدم الاستقرار.

ويدفع المواطن الأميركي – والغربي بالتداعي- ثمن الهراوات والغاز التي تُخضع مواطني العالم الثالث لنخبهم المحلية، وسيدتها (حليفتها) العالمية. ويمول مواطنو الغرب الآن من جيوبهم ودفئهم كلفة الحرب الأوكرانية، كتضحية ضرورية لإنقاذ البشرية من خطر “الاستبداد الروسي” العاكف على تقويض المكاسب التي جلبها الغرب للبشرية من الازدهار والسلام والحرية. ويموت الأوكران في سبيل تأمين هيمنة النخب التي لا مصلحة لها في العدالة والسلام والتعاون.

في تركيا، جارة الإقليم، ثمة “تقارب” قيد التطور مع سورية المدمرة، قد ينتهي إلى مصالحة مع نظامها – الذي عملت السياسة التركية كل ما وسعها لتقويضه! والهدف الأهم، كما يقول محللون، هو خدمة مصلحة اجتياز النظام التركي الحاكم الاستحقاق الانتخابي الوشيك، وربما تقتضي هذه المصلحة ما وصفه أتباع تركيا المناهضون للحكومة المركزية السورية في شمال سورية بأنه “طعنة في الظهر”. السياسة ليس لها صاحب ولا دين.

وروسيا، عرابة التقارب، التي تدخلت في سورية، لمنع سقوط “النظام الصديق”، و”العودة إلى النفوذ في المنطقة”، تعرض سياستها كل المتناقضات الممكنة. إنها تسمح للكيان الصهيوني باستهداف جنود ومرافق النظام الذي هي هناك لحمايته، والمقاتلين والمعدات التابعة للجهات التي تتواجد في سورية لحماية نفس النظام “الصديق” هناك: إيران وحزب الله اللبناني. وهي تسمح لتركيا باستباحة الشمال السوري وتمكين نفس القوى التي هدفها تقويض النظام، وقد مر من تركيا كل المتطوعين والمجندين من أنحاء العالم الذين جاءوا “لتحرير السوريين وإقامة حكم الله في الأرض”، ولو بتدمير سورية.

مالكو العالم الحقيقيون، بمختلف مستوياتهم، مثل التماسيح من كل الأحجام، التي تفتح أفواهها لكي تأكل الطيور الصغيرة الفتات من بين أسنانها وتجهزها لمزيد من القضم، وسوف تتقاتل الطيور على الفتات، لكن امتناع التماسيح عن قضمها هو “علاقة تكافل” غير متساوية، تُسمى نتائجها بـ”الأرزاق” المقدّرة. وعلينا في النهاية أن نتصارع مع النتائج ونستوعب تهافت حجج السياسة من موقع العجز. وكأن “فن الممكن” يجب أن يعني إدامة الصراع.

تابعونا على جوجل نيوز
تصميم و تطوير