حكومة نتنياهو الداعشية
محمد أبو رمان
ثمّة ارتياح في أوساط النخب السياسية في عمّان لمقابلة الملك عبد الله الثاني أخيرا مع شبكة سي أن أن، ورسائله فيها إلى الحكومة اليمينية المتطرّفة الجديدة في إسرائيل والمجتمع الدولي والولايات المتحدة، بخاصة عند الحديث عن انتفاضة ثالثة فلسطينية، وعن ترسيم خطوط حمراء أردنية واضحة في موضوع القدس والمقدّسات تحت بند الرعاية الهاشمية.
لكن ماذا لو تجاوز بنيامين نتنياهو، وهو ما سيفعله على الأرجح، الخطوط الحمراء الأردنية، أين سيضعنا ذلك على خط المواجهة مع إسرائيل، بخاصة أنّ الملك ألمح إلى ذلك في المقابلة؟ .. يجيبني سياسي أردني مطلّع بأن هنالك أوراقاً و"كروتاً" عديدة لا تزال في يدّ الأردن. ويضيف المتحدث: لماذا نهلع. صحيح أنّنا نواجه حكومة يمينية متطرفة دينياً وسياسياً، ولكن ذلك أيضاً مأزق لنتنياهو نفسه الذي شكّل هذه الحكومة، ووقع في ورطة كبيرة بالتحالف مع شخصياتٍ دينيةٍ وسياسية متطرفة، تحمل خطاباً وأجندة مقلقَين للإدارة الأميركية والمجتمع الدولي والغرب، ولا يقف اليوم الحديث عند ملفات خطيرة مثل القدس وضم الضفة الغربية والتحريض ضد الفلسطينيين في الـ48، بل يصل إلى مساحة أخرى أكثر خطورة، وتتمثل في إلغاء علمانية إسرائيل بالكامل كما حذّرت صحف إسرائيلية، وتغيير الأنظمة القضائية والتعليمية نحو حكومة دينية تمثل خطراً على أسلوب حياة الإسرائيليين أنفسهم، وتضرب جذور التيارات العلمانية وتسبّب مشكلات كبيرة داخل المجتمع اليهودي – الإسرائيلي.
حسناً، هذا الجانب مهم، بخاصة أنّه يؤكّد بصورة واضحة وجلية أنّ التيارات الدينية المتطرّفة هي الأقوى اليوم في إسرائيل، وأنّ هنالك مشكلة كبيرة في البيت الإسرائيلي، وأنّهم يحملون قيماً تتناقض مع ما يعلنه المجتمع الدولي والغربي، ليس فقط على صعيد القضية الفلسطينية وحقوق الفلسطينيين، بل حتى على صعيد الحقوق للإسرائيليين أنفسهم، ومن المفترض استثمار هذا الموضوع بصورة كبيرة في الإعلام العربي والأصدقاء في الإعلام الغربي، وترويج خطورة الحكومة الجديدة على الأمن الإقليمي، وعلى وصفها حكومة داعشية من الزاوية اليهودية.
على الجهة المقابلة، لا ينفي ذلك كلّه أنّ علينا، أردنيين وفلسطينيين، الاستعداد لمرحلة صعبة للغاية، بخاصة إذا جاءت الانتخابات الرئاسية المقبلة في الولايات المتحدة بصديق يميني مؤيد لإسرائيل بتطرّف، ومع وجود لوبيات دولية وأميركية، وحتى عربية للآسف الشديد، تمتصّ الصدمات. وليس سرّاً أنّ حكومات عربية وسياسيين ومثقفين عربا لم يعودوا يخفون ميولهم الصهيونية وفرحتهم العارمة بعودة نتيناهو إلى الحكم في "الكيان الإسرائيلي"!
يرى صديقي السياسي أيضا أن حدوث انتفاضة فلسطينية جديدة أمر خطير، لأنّه يعني، ضمنياً، انهيار السلطة الفلسطينية، وهي التي تترنّح منذ أعوام. وتسريبات أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، حسين الشيخ، الصوتية أخيرا، مسمار جديد في نعش هذه السلطة، ما يعني فرصة سانحة لحكومة نتنياهو لممارسة ضغوط جديدة على الفلسطينيين في الـ48 لدفعهم إلى الهجرة، وعلى سكان الـ67 في حين كانت هنالك مواجهات عسكرية كبيرة. ما يعني عودة خطر الترانسفير الجديد، ما يفسح المجال لحل المعضلة الإسرائيلية الكبرى المتمثلة بـ"القنبلة الديمغرافية الفلسطينية"، بخاصة أنّ العالم اليوم منشغل إلى أخمص إذنيه بالصراع الروسي- الإوكراني، وغير منتبه لما يحدث في فلسطين، ولم تعد المنطقة بأسرها تمثل أولوية له!
مرّة أخرى، على الرغم من وجاهة هذا الرأي، إلا أنّ الانتفاضة نفسها قد تكون ورقة لا غنى عنها لصانع القرار الأردني لضرب الفرضيات التي بنت عليها الحكومة الإسرائيلية أجندتها أولاً، ولدفع المجتمع الدولي والغرب إلى الالتفات إلى أنّ موضوع القدس والسياسات العنصرية الإسرائيلية تهدّد بتفجير المنطقة بأسرها. وإذا كانت الانتفاضة الجديدة تحت الأجندة السياسية الذكية، فإنّها قد تمثل مخرجاً مهماً في المواجهة غير المباشرة مع حكومة اليمين الإسرائيلي، وإنقاذ القدس من عملية التهويد التي لا محالة ستكون ضمن أولويات الحكومة الجديدة.
على كل الأحوال، تمثل رسائل الملك عبد الله الثاني، أخيرا، تأكيداً أردنياً وحسماً جديداً بأنّ القدس والقضية الفلسطينية جزء لا يتجزأ من المفهوم الحيوي للأمن الوطني الأردني، ولا يمكن التعامل معها وكأنّها أمر ثانوي أو مسألة خارج الاختصاص. وعليه، من الضرروي أن توضع السيناريوهات والخيارات على الطاولة، وأن يكون هنالك دور واضح وكبير للأردن في تصميم موقف السلطة الفلسطينية والقوى الفلسطينية الأخرى للتعامل مع التهديد الخطير للجميع.