أمانة النقل والنسخ واللصق

{title}
أخبار الأردن -

أحمد سلامة أبو هلالة

 

 
انتشرت في الآونة الأخيرة ظاهرة سلبية لدرجة القبح ، ألا وهي ظاهرة النسخ واللصق دون إشارة لصاحب النص الأصلي ، ولا أدري ، هل هذا ناتج عن جهل من هؤلاء النسّاخ اللصّاقين  بأن هناك شيئًا اسمه الأمانة في النقل وأن التوثيق واجب على كل مقتبس  أم هو تجاهل مقصود؟. 
نعلم جميعا إنّ عدم التحلي بالأمانة العلميّة و عدم نسبة النصوص إلى أصحابها في البحوث العلميّة و في الدراسات الأكاديمية يكلّف مرتكبه ثمنا باهظا يطال مشروعه كاملا وربما مستقبله العلمي ذاته ؛ لكننا نلمس تهاونا في ذلك في النصوص الأدبية و خصوصا على صفحات الإنترنت المتخصصة بالإبداع الأدبي،  رغم أن القائمين عليها ينصّون في شروط عضويتها على ضرورة مراعاة ذلك .
لكن البعض يتجرأ فيتسلل تحت جنح الفشل لينقل النصوص بلا توثيق عن جهل أو تجاهل وربما عن غفلة أو تغافل ، فهو كمن يسرق الوليد من حضن والديه وينسبه لنفسه ، الوليد يأباه ولا سماته سمات الوليد ، غريب يدّعي نسب غريب. 
  وينسى هؤلاء السراق أن هناك من المثقفين والنقاد من لا ينطلي عليهم هذا التعدي وتسعفهم معرفتهم وثقافتهم على كشفه ، بل إن منهم من  لديه القدرة على تمييز النصوص وتحديد أصحابها  من أساليبهم وأرواحهم التي تسكنها إنهم أهل القيافة الأدبيّة  .

 

فأسلوب نزار قباني مثلا وروحه التي تسكن أشعاره تختلف عن روح السياب و أسلوبه، والقراء اليوم اصبحوا على اطلاع يمكّنهم من معرفة نصوص أحلام مستغانمي من غادة السمان مثلا أو كنفاني او جبران أو مي زيادة و أدوات البحث أصبحت قريبة متيسرة لكلّ مثقف تجلّي له أي شك يراوده في ثوان معدودة. 
ويتوارد سؤال جدير هنا ما الذي يجنية الناسخ (أوقل السارق) حين لا يرد القول لقائله ؟ هل سيجني ربحا ماديا زائلا ؟أو تراه سيبلغ من الشهرة ما لن يبلغه بقدح ذهنه و كد قلمه ؟وهل يشعر باحترام ذاته وهو يدرك أن الفكر ليس فكره والكلمات ليست كلماته وأن اسمه وتوقيعه طارئان على النص؟ . 
إلى الذين لا يزالون يقتاتون بهذه الظاهرة المنافية للخلق القويم و والنهج المستقيم ، ثقوا تماما أنه لن يقال بحقكم  قول المتنبي :
" أنا السابق الهادي لما اقوله
إذا القول قبل القائلين مقول " 

 

   ولا اظنه يعيب أحدا منكم أن يذيّل النصّ المنقول بعبارة (منقول ، راق لي ، مما قرات ، مقتبس) هذا أقلّ الواجب  إن لم  تكن منصفا وتكتب اسم كاتبه .
إنه لأمر مؤلم للنفس أن تنقل نصا وتنسبه لنفسك تشاركه في صفحة ما لتجد صاحب النص في ذات الصفحة مبتسما مشفقا عليك ، وكل المتفاعلين مع نصك يدركون أنه ليس لك .

 

رحم الله الشاعر السوري الكبير نزار قباني حين ترفع قائلا :
‏" كتاباتٌ .. أقدمها
لأية مهجةٍ تشعُرْ
سيسعدني .. إذا بقيتْ
غداً .. مجهولةَ المصدرْ "
نقول هذا الكلام ونحن  نعرف أن جذور هذه الظاهرة السلبية ممتدة منذ نشوء الإبداع وقد عرفها العرب قديما وألّفوا فيها المؤلفات و فصلوا في أنواعها مثل السرقات و النحل  و أشاروا إلى توارد الخواطر المقبول وغير المقبول و التأثر والتأثير.
أحببت أن ألفت عناية الأصدقاء لهذه الظاهرة التي أخذت في التزايد وتشوه رونق إبداعنا المعاصر رغم ما ينعم به من أدوات لإنتاجه ونشره وحفظه علّنا نمنع تفشي هذا الطاعون إليه ونلجم شهية المدعين عن الإساءة إليه .
ختاما أشكر لكل من كتب فأبدع ولكل من نقل نصا جميلا فوثق وحفظ حق نسبته لمبدعه .
تابعونا على جوجل نيوز
تصميم و تطوير