هل تفلس الدولة؟

{title}
أخبار الأردن -

بقلم الدكتور أحمد حسين الرفاعي

إعلان الافلاس، على مستوى الأفراد، أو حتى المؤسسات الخاصة، هو بمثابة اجراء قانوني يحدث حينما يتحقق العجز عن الوفاء بالالتزامات المالية نحو المقرضين. وهو أمرٌ تم تنظيمه عالمياً وفق تشريعات ناظمة وإجراءات قانونية تحكم بها المحاكم المُختصة بما يسمى بحالات الإعسار والإفلاس. وفي بعض الحالات يقوم المقرض بالزام المقترض باعلان الافلاس لحل الاشكالية ومصادرة الاصول المحلية لسداد الدين او جزء منه.

أما الدول  ذات القروض السيادية، وحتى وإن كانت مثقلة بإعباء الديون، وبنسب تتجاوز دخلها  القومي بكثير، فإنها لا تستطيع اعلان افلاسها، ذلك أن القانون الدولي لم يحدد يوماً جهة قانونية او محكمة خارجية قادرة على الزامها باعلان الافلاس، او مصادرة إصولها أو مواردها الوطنية. ولكن لجأت العديد من الدول التي واجهت اعساراً مالياً، وعجزت عن الوفاء بالتزاماتها، وذلك بالتخلف عن السداد الاقساط المستحقة عليها، وخدمة ديونها، ومفاوضة المقرضين طوعاً، وبهدف تقليل الدفعات المستحقة او اعادة جدولة الدين او الاعفاء من جزء من المديونية.  وقد شهد العالم حالات متعددة من حالات التعثر ا لمالي ونتج عنها اللجو والاستعانة بصندوق النقد الدولي، وبعض الصناديق السيادية، او نادي باريس، و نادي لندن لندن،  لمعالجة الدين أو شراءه او اللجوء إلى برامج التصحيح الاقتصادي والتي تقوم على اجراءات صارمة، تطلبها هذه الصناديق لمعالجة الاختلالات المالية، مثل تحرير التجارة، وتحرير سعر الصرف، وما يتخلله عادة من تخفيض في سعر صرف العملة،  وزيادة الضرائب، وتخفيض العجز المالي.

فمثلا اليونان والتي عانت من ازمات مالية حادة وعجزت عن سداد ديونها عام 2012، قامت باعادة جدولة ديونها، بعد أن تخلفت 8 مرات عن سداد ديونها منذ عام 2018. والأدهى من ذلك أنه عند طرحها سندات حكومية، فقد فاق الطلب العالمي أربعة أضعاف ما تم طرحه، حيث تقدم للإكتتاب ما يقرب من 13 مليار يورو، في مقابل 2.5 مليار يورو تم طرحها، مقابل سعر فائدة لم يتجاوز 1.9%. أما الارجنتين فقد تخلفت عن سداد ديونها للمقرضين الدوليين لأكثر من 15 مرة منذ استقلالها عن اسبانيا عام 1816. وفي عام 2017 قام الدائنون بشراء سندات حكومية ارجنتينية بفترة استحقاق طويلة بلغت 100 عام، ثم عاودت عام 2019 بالاعلان عن جدولة الدين مرة اخرى. وفي دراسة لبنك كندا وجدت 145 دولة من اصل 214 دولة سيادية عجزت او تخلفت عن الوفاء بديونها منذ عام 1960.

ومن هنا، وعلى فرض ان الدولة ما، مثقلة تماماً بالديون السيادية، اعلنت افلاسها، فإن ذلك سيؤدي إلى انهيار نظامها المالي، وزيادة مخاطر التمويل الخارجي، وانهيار عملتها، وعزوف المقرضين الدوليين عن اقراضها، وارتفاع الفوائد على قروضها الخارجية، ان وجدت، علاوة على تخفيض التصنيف الائتماني للدولة. وبالتالي فإن السؤال الأكبر هو هل تستطيع أي دولة أن تُقدم على هذه الخطوة أو أن تعيش بمعزل عن العالم، أو عن النظام العالمي، وتحمل هذه التبعات الكارثية؟! الدول لا تفُلس ولا يمكن لها أن تسعى إلى الإفلاس أو حتى المناورة بالإعلان عن ذلك. فالثمن أكبر من أن يتحمله أي اقتصاد في العالم.

aharefai@gmail.com

تابعونا على جوجل نيوز
تصميم و تطوير