صراع الخصمين هل يدمي العراق؟
منذر الحوارات
ليس غريباً ان يتصدر العراق المشهد الاخباري، فهو كذلك منذ عقود لم تخلو ساحته من حدث كبير يشدّ أنظار العالم إليه، فالصراع هو جزء أصيل من تاريخه ربما بسبب موقعه الذي يحصره بين أمم ترى في ذاتها وهجاً امبرطورياً وتطمع دوماً في ضمه اليها، او ربما لأنه مهد الحضارات فكان تنوعه هو سمته وفي نفس الوقت نقطة ضعفه، او ربما لأنه دوماً يمتلك من الطموح ما تعجز إمكانياته الذاتية عن تحقيقه، وربما وربما ففيه تستطيع ان تجترح ألف ربما وتستطيع ايضاً طرح أسئلة بلا نهاية، لكن ابداً لن تصل الى جواب يشفي الغليل ويروي الظمأ فخلال تاريخه عشق الثنائيات المتحاربة منذ علي ومعاوية مروراً بالحسين ويزيد والأمين والمأمون، حتى في تركيبته الداخلية كان اسيراً لهذه الثنائية شيعة سنة عرب كرد، وفي داخل كل طائفة كان لابد من شخصين يتنافسان ويتصارعان بلا هوادة، وهذا ما يحصل الآن، فحالة المواجهة المحتدمة بين طرفين رئيسيين في الطائفة الشيعية تكاد لا تخرج عن الإطار السابق، فالصدر والمالكي ليسا سوى النسخة الأحدث من هذه الثنائية التي تأبى أن تحط رحالها.
فالرجلين كانا جزء من عملية سياسية واحدة تعتمد في جوهرها على تقسيم العراق الى كانتونات طائفية مؤسسة على تقاسم الغنائم بين الطوائف، كلٌ حسب ثقله العسكري والسياسي ومقدار ما يتلقاه من دعم القوة المسيطرة على العراق امريكا اولاً وتلتها إيران حيث تسابقت الاطراف لنيل رضاها طمعاً في نيل أكبر قدر من الغنائم فرضاها ودعمها يعني المزيد من النفوذ، وبالتالي المزيد من المغانم وهي أي إيران كانت ترفع الرجال والفصائل بقدرخدمتهم لها وتقصيهم عندما يصبحون عديمي الجدوى أو مصدر إزعاج او قلق لها ويكون ذلك إما باتخاذ القرار مباشرة بإبعاد هذا أو ذاك واذا عجزت عن ذلك تضرب الأطراف بعضهم ببعض الى ان تخور قواهم فيصبحوا عاجزين فتستبدلهم بآخرين أكثر فائدة لمصالحها وأقل ازعاجاً وربما هذا ما يحصل الآن فالصدر يمثل التيار الشيعي الوطني المنتمي الى مرجعية النجف، اما المالكي فهو يمثل التيار العابر للحدود ومرجعيته قم وكلاهما له انصاره ومريدوه وله اسلحته ومليشياته وهما جاهزان في كل لحظة للمواجهة المسلحة .
كلا الطرفين اصبح عبئاً على ايران فالصدر أصبح لديه من القوة والنفوذ الجماهيري ما يمكنه من زعزعة ونسف أي طرف سياسي حتى لو كانت تدعمه ايران بكل مالديها من قوة فهو الحصان الجامح الذي لا يمكن لجمه أو السيطرة عليه، فقد بات يهدد المصالح الإيرانية في العراق، إذاً من مصلحة إيران أن ترى نهايةً قريبة له، والمالكي حليف ايران وركيزتها عبر العقدين المنصرمين تخضبت سمعته بما لا يُعد من قضايا الفساد الأمر الذي يثقل كاهلها بعبئ الاستمرار في دعمه أو الدفاع عنه فتبيض ساحته اصبح أمراً عسيراً بالنسبة لها لذلك فمصلحتها تقتضي البحث عن قيادات جديدة أقل قوة وأقل فساداً وأكثر حاجةً اليها ولا بأس من إشغال الطرفين ببعضهما حتى لو وصل الأمر الى حد المواجهة المسلحة داخل الطائفة الواحدة وربما تشمل العراق كله فالدم العراقي لا يشكل عائقاً أمام الوصول إلى الهدف وتحقيق الطموحات وفي النهاية هي الوحيدة من يمتلك الأدوات لإصلاح ذات البين وممارسة دور الأم الحنون وإن لم تنجح من هذا الباب فمليشياتها جاهزة وتنتظر راية البدء لحسم الموقف.
أما العراق فلابأس لو دخل مخاض الدم مرةً اخرى فهو فعل ذلك مرات كثيرة عبر تاريخة ولكنه نادراً من كان هو المستفيد فطالما يحوي في ثناياه من هم مستعدون لبذل ارواح العراقيين ودمائهم لأجل الاخرين، سيبقى هذا البلد المكلوم بقادته أسير الاحتراب والدم خدمةً للآخرين.