مصالحنا وخياراتنا في قطاع المياه
جميل النمري
تصريح الدكتور حازم الناصر لم يصنع ضجيجا، ولو جاء في ظروف أخرى لأحدث دويا. فوزير المياه المخضرم د. الناصر قال ان الأردن تعرض الى مؤامرة في موضوع المياه الجوفية العميقة لتكريس الاعتماد على إسرائيل.
وموضوع المياه الجوفية العميقة كان قد اثاره الدكتور منذر حدادين عندما كان الجدل محتدما حول اعلان النوايا ( مشروع الماء مقابل الكهرباء مع إسرائيل) وإمكانية الاستغناء عنه من خلال مشاريع محلية وكان د. حدادين من أنصار التوجه – أساسا – الى المياه الجوفية العميقة وأطلق في حينه تصريحه المثير أن المياه الجوفية العميقة تكفينا لخمسمئة عام قادم.
تنوعت الآراء واختلفت كثيرا حول الحل الأساسي لقضية المياه هل هي تحلية مياه البحر الأحمر أم هي السدود والحصاد المائي أم المياه الجوفية العميقة ومقابل كل مشروع كانت هناك وجهة نظر انتقادية وشكوك وتشكيك في الفرص والجدوى والكلف. وقد حدثت بلبلة شديدة أحرجت الحكومة حتى أن رئيس مجلس الأعيان دولة فيصل الفايز دعا الى لقاء غير رسمي في مجلس الأعيان بحضور كل وزراء المياه السابقين تقريبا وعدد من الخبراء في القطاع للإجابة عن السؤال التالي: هل اتفاق النوايا ضرورة حيوية؟ وهل هناك بدائل معقولة؟ وما هي ؟ كان الخلاف في الاجتهادات بعدد المداخلات ولم يخرج اللقاء بنتيجة.
بالنسبة لاتفاق النوايا بات كما يبدو وراء ظهرنا ووزير المياه لم يهتم بالدفاع عنه واعتبره أمرا طارئا في سياق مشاريع التعاون الاقليمي ولم يرد اصلا في استراتيجية الوزارة للمياه والحال ان أحدا لم يعد يتحدث عنه بعد رحيل إدارة ترامب. لكن مشكلة المياه تستمر وهي عادت الى السطح بقوة مع تصريحات وزير المياه السوداوية حول أزمة مياه «قاسية» هذا الصيف في ظلّ النسب المتواضعة التي جمعتها السدود في الشتاء الفائت. والوزير كما يبدو يضع ثقته بمشروع الناقل الوطني كحل سيقود حسب قوله الى وصول الماء في المواسير لكل المناطق على مدار الساعة كل ايام الاسبوع.
ولا يبدو ان جميع الخبراء يتفقون معه ثم أن تنفيذ الناقل يحتاج لبضع سنوات وهذا اذا نجحنا في توفير التمويل اللازم. وعليه نعود الى التصريح المدوي للدكتور حازم الناصر عن المياه الجوفية العميقة.
كان د. الناصر جازما بشأن توفر المياه بكميات هائلة في اعماق الأرض لكنه كان اقل جزما بشأن الباقي لأن مستويات المياه وأماكنها ونوعيتها تختلف من مكان لآخر ولا يمكن التأكد الا بالحفر والفحص وهناك تقصير فادح في الاقدام على هذا العمل، وهو أعاد التذكير بالمنجزات في عهد وزارته في حفر الآبار في مناطق جنوب الجيزة واللجون والبادية الشمالية الشرقية وغيرها. وشكا ان الأمور توقفت بعد ذلك. وهو يعتقد ان هذا هو المصدر الأعظم الذي يجب الرهان عليه والكلفة ستكون اقل من المشاريع الاخرى ومنها الناقل الوطني !
نحن لسنا خبراء ولا نجزم بشيء لكن بصراحة لا نستطيع ابدا تجاهل هذه التصريحات التي تأتي من شخص عالي الخبرة والاختصاص وكان وزيرا للمياه لعدة مرات ومشهود له بالوطنية والكفاءة.
وعلى الأقل يجب أن نثبت أن خياراتنا لها اساس وطني اقتصادي وفني موثوق بعيدا عن نظرية المؤامرة، النظرية التي تفترض ان خياراتنا لا تحددها مصالحنا الحياتية بل مصالح الغير السياسية !