لو دفع الفلسطينيون المال؟

{title}
أخبار الأردن -

ماهر أبو طير

فرق كبير بين زوال الاحتلال الإسرائيلي عن فلسطين، وبين تحسين ظروف العيش تحت الاحتلال، وواقع الحال يقول إن واشنطن اعتمدت النظرية الثانية، أي ادامة الاحتلال وتحسين ظروف العيش تحت الاحتلال، على المستوى السياسي، والإنساني، والاقتصادي، والاجتماعي.

زيارة الرئيس الأميركي إلى فلسطين، عبرت عن السياسة الأميركية التي لا تؤيد قيام دولة فلسطينية، الا بالتصريحات السياسية، لكنها لأتأتى بأي مشروع سياسي محدد، ولا تعلن أي مشروع تفصيلي من اجل قيام الدولة الفلسطينية، حتى في المساحات المتبقية من الضفة الغربية، وهي مساحات قليلة، تقول عمليا ان الكلام عن دولة فلسطينية متصلة مجرد وهم.

هذا الفخ الذي وقع فيه الكل، أي التنازل عن ثلاثة ارباع فلسطين، مقابل ربع الأراضي لتأمين قيام دولة فلسطينية، منح إسرائيل شرعية الوجود، ولم يؤد إلى قيام هذه الدولة العتيدة بكل صيغها.

يأتي الرئيس الاميركي ويقدم دعما ماليا لمستشفيات القدس، بقيمة 100 مليون دولار، إضافة إلى مبلغ 200 مليون دولار دعما لوكالة الغوث الدولية، وهو مبلغ لو قرر الفلسطينيون داخل فلسطين جمعه لجمعوه في يوم واحد من أموالهم، فما بالنا لو قرر الفلسطينيون، خارج فلسطين جمعه، لقاموا بجمع اضعافه، من جانب الأغنياء، أو حتى عموم الفلسطينيين، وهكذا لو دفع الفلسطينيون هذا المال، لما وجدت الإدارة الأميركية شيئا تقدمه أو تفعله هذه الأيام.

سيخرج من يقول إن المال الأميركي لمستشفيات القدس الشرقية، والأونروا، ليس مجرد مال، بل تعبير سياسي، عن موقف محدد بشأن القدس الشرقية، وقضية اللاجئين، وانه لا يجوز التعامل مع القرار الأميركي، باعتباره مجرد صدقة جارية، كان الفلسطينيون في غنى عنها طوال تاريخهم.

أصحاب هذا الرأي، أحرار بطبيعة الحال، لكنني أصر على ان هذا التمويل يأتي فقط في سياقات تحسين ظروف العيش تحت الاحتلال، وليس في سياق ادانة الاحتلال، أو الحض على زواله.

هكذا تتحول القضية الفلسطينية، من قضية احتلال لا يزول حتى اليوم، إلى قضية تحسين ظروف الحياة، والعيش تحت الاحتلال، حتى يكون أخف وطأة على الفلسطينيين في ظل ظروفهم.

لقد ساهمت سلطة رام الله، بكل هذا المشهد، فهي التي تكرس الاحتلال، بدورها الوظيفي خدمة له، ونيابة عنه، سياسيا وأمنيا، وللمفارقة يخرج الرئيس الفلسطيني، ليبيع الوهم مجددا، برغم معرفته استحالات قيام الدولة الفلسطينية، ليقول إن الوقت ينفد بشأن قيام الدولة، لكنه لا يتحدث تفصيليا عما تبقى من كل هيكلية مشروع الدولة في الضفة الغربية، والقدس، وعلى ماذا يراهن خلال الفترة المقبلة، في ظل التمدد الإسرائيلي داخل الضفة الغربية والقدس.

لم يأت الرئيس الأميركي إلى فلسطين، بمشروع لقيام دولة فلسطينية، بل تورط في صياغات عامة، حين يقول إنه من أول الداعمين لإقامة دولة فلسطينية، معترفا أن حل الدولتين يبدو بعيدا في الوقت الراهن، وهذا اقرار بعدم وجود مشروع أميركي، وعدم وجود جدية لدى ادارته والإدارات السابقة، التي تترك كل المساحات مفتوحة أمام الإسرائيليين لتنفيذ مشروعهم.

ما يمكن قوله هنا عدة استخلاصات معروفة، ابرزها أن الاحتلال يريد الضفة الغربية لاعتبارات سياسية واقتصادية ودينية، ولن يسمح بقيام دولة فلسطينية، تجاوره كيكان، وثانيهما ان القدس خارج كل الحسابات الإسرائيلية، ولن يتم منح متر أرض واحد للفلسطينيين، وثالثها أن مواصلة الكلام عن دولة فلسطينية، بيع للوهم من جانب الأميركيين، وغيرهم، ورابعها أن السلطة هي التي شرعنت الاحتلال، باعترافها به في اوسلو، ولم تحصل على الثمن الذي ادعى من عقد اوسلو انهم سيحصلون عليه، وخامسها، ان السلطة تثبت الاحتلال وتديمه بسبب تعمدها عدم اتخاذ إجراءات ضد الاحتلال، اياً كان كلفتها، وتواصل العمل والتنسيق معه بكل الطرق.

يقال كل هذا الكلام، حتى يتم تأكيد الحقيقة الاسطع، أي أن عملية السلام، كانت تعني السلام للإسرائيليين فقط، وتأمين حياتهم ووجودهم واستقرارهم ودولتهم، ولا شيء غير ذلك إطلاقا.

تابعونا على جوجل نيوز
تصميم و تطوير