تساوي الأقطاب وسيادة القانون الدولي
د.حسام العتوم
تزامنًا مع حادثة سقوط الرئيس الأمريكي المسن ( جو يايدن ) من فوق دراجته الهوائية في (ديلاوير) الأمريكية وهي في حالة ثبات بتاريخ 18 حزيران الجاري، وملاحقة الأمن الأمريكي لسيدة أمريكية والإعتداء عليها لكونها حاولت بمكبر الصوت إعتراض موكب بايدن المهيب والمصفح في واشنطن، أعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في مؤتمر( سانت بيتر بورغ ) الإقتصادي المنعقد بتاريخ 15 – 18 حزيران 2022 إنتهاء وسقوط القطب الواحد، في رسالة واضحة للغرب بأن روسيا الإتحادية موجودة وناهضة إلى جانب الصين، والهند، وأمريكا، وأوروبا، واليابان، والبرازيل، وفنزويلا، وتركيا، والباكستان، وغيرهم من دول العالم، وهو الأمر الذي يعني قدوم مسار تعدد الأقطاب من بوابة التاريخ المعاصر وحلوله مكان القطب الأوحد الغربي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية، وإنتهاء زمن العولمة التي عنت وتعني السيطرة والهيمنة على أركان العالم لصالح العالمية التي تشيع تساوي أقطاب ودول العالم سواء كانت كبيرة أم صغيرة، وسيادة القانون الدولي ليحل مكان شريعة الغاب السائدة.
وبطبيعة الحال لو لم أكتب شخصيًا في السياسة الدولية وغيري، لا أعتقد بأن الغرب سوف ينتصر في حربه في أوكرانيا التي ليس له فيها لاناقة ولا جمل غير إستهداف روسيا الإتحادية ومحاصرتها على طريقة حصار مدينة (ليننغراد) في الحرب العالمية الثانية، فإلى أين يتجه العالم بعد تأسيسه للأمم المتحدة عام 1945 لضبط إيقاع أزمات العالم؟ ولماذا لا يراد للحرب الأوكرانية أن لا تنتهي؟ وهي الحرب العملية التي تملك روسيا وسطها قضية ومظلمة واضحة وأهداف بعكس ما يتطلع إليه الغرب من غير وجه حق.
ومثلما تم التآمر غربًا ومع شخصيات سوفيتية مثل ( يلتسين وغورباتشوف ) على الإتحاد السوفيتي المؤسس بين عامي 1924 و1991 طوعًا من خمسة عشر جمهورية بقيادة روسيا الإتحادية، تم غزل مؤامرات شبيهة على روسيا في عتمات الليالي وفي أقبية ( البنتاغون ) وسط إنقلاب ( كييف ) عام 2014 ، والقدوم بقيادة أوكرانية محسوبة على التيار البنديري القادمة جذوره من أتون الجناح النازي الهتلري وسط الحرب الثانية نسبة إلى جدهم ( بنديرا )، ورياح الخراب العاتية هبت ولازالت من جهة الجانب الغربي في العالم، وعينها على إدامة الأزمات والحروب والصراعات وفي مقدمتها الفلسطينية والأوكرانية، وشتان بين من يبحث عن الحلول عبر الحوارات المتكررة والاتفاقات عبر القانون الدولي، وبين من يصب الزيت على النار عبر المراوغة وتزويد ( كييف ) بالسلاح والمال الوفير الخادع، بينما هو الشعب الأوكراني يعاني من الفقر والبطالة والتضخم المالي، والقضية الفلسطينية العادلة في المقابل عالقة من دون حلول جذرية ترتقي لمستوى نضالات شعب الجبارين الفلسطيني صاحب الأرض والقضية والتاريخ العميق، والموقف الروسي واضح منها كما موقف العرب أنفسهم، ويصطف علنًا إلى جانب الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشرقية، ومع تجميد الإستيطان اليهودي غير الشرعي، ومع حق العودة والتعويض، والأمر ينسحب كذلك على قضية الصين وتايوان والتي هي داخلية ولا شأن لأمريكا فيها، ومشروع إيران النووي السلمي الذي يصعب عليه أن يتحول إلى عسكري في ظل الأيدولوجية الإيرانية – الصوفية - المتطرفة المناهضة لإسرائيل ولأمريكا معًا، والمخترقة عبر هلالها إلى جانب الهلال الإسرائيلي لبلاد العرب، والمقسمة لكيانهم والأصل أن يكون موحدًا، إلى سُنَّة وشيعة، والعراق كان عروبيًا وأصبح في قبضة إيران وأمريكا، وسوريا التي أريد لها أن تتقسم لولا التدخل السياسي والعسكري الروسي في الوقت المناسب عامي 2013-2015 وإلى الأمام، مع بقاء بابهم السياسي مواربًا أمام القصف الإسرائيلي المتتابع لدمشق والمخترق لسيادة سوريا الدولة بهدف ملاحقة الحضور الإيراني ومليشياته وحزب الله المهددة لأمن إسرائيل المعادية في موقفها من قبل شتات اليهود وأحزابهم المتطرفة، والمراوغة رسميًا في موضوع الحرب الأوكرانية الدائرة رحاها في مناطق الدونباس ولوغانسك شرقًا.
نعم القطب الواحد الأوحد الغربي الأمريكي أرهق العالم، ومارس الإغراء بالمال والترهيب بالعقوبات، وفتح السجون على غرار معتقلي (غوانتانامو) في كوبا عام 2002 خارج قواعد حقوق الإنسان، و(أبو غريب) في العراق عام 2003، ويعارض وحدة العرب التي دعاهم إليها شريف العرب وملكهم الحسين بن علي طيب الله ثراه، وعمَّق أزمات وحروب العالم، وأعاق مشاريع السلام في فلسطين، وفي الصين، وفي اليابان، وكرس الإحتلال الإسرائلي لأراضي العرب، وشجعها على السلام معهم ذات الوقت من دون دفعها للعودة إلى حدود الرابع من حزيران لعام 67 . ولقد أصبحت دول العالم الكبيرة والصغيرة تخشى قول كلمة الحق في القضايا المصيرية العادلة، ولغة الأمركة على كل لسان، ومن يجدف بعكس الأمواج الأمريكية المرتفعة سواءً كان دولة أو فرد يعاقب ويلاحق ويحاصر، ومن يركب الموجة ويؤازر تغدق عليه المكاسب والأموال دولة كانت أو مواطن، وما نلاحظه في الآونة الأخيرة في ظل سير الحرب العملية الروسية - الأوكرانية هو إصرار روسي على الوصول إلى الأهداف العسكرية المنشودة، يقابلها محاولات جادة غربية هدفها الإعاقة وعرقلة الأهداف الروسية، ويصعب تصور إنتصار الغرب الثري في الحرب الأوكرانية الدائرة التي قادته أمريكا إليها خارج قناعتها، ولن ينتصر فيها غير روسيا الإتحادية صاحبة الحق والقضية وفقًا للشرعية الدولية، وهي التي ذهبت إلى أوكرانيا بدعوة، ومجبرة للدفاع عن ناسها وأهلها سكان (الدونباس ولوغانسك)- الروس والأوكران- الذين تعرضوا لجريمة حرب تسببت في مقتل أكثر من 14 الفًا منهم، ومن بينهم الأطفال، وتشريد مليون غيرهم إلى داخل روسيا، ومكوث آخرين في الملاجئ، والهدف الأوكراني الغربي ضم شرق أوكرانيا عنوة، وفتح المجال أمام حلف ( الناتو ) لكي يتوسع شرقًا ليهدد روسيا من جديد.
سيشهد العالم تحولات جديدة ليس عندما تنتهي الحرب الأوكرانية التي يرسم لها من طرف الغرب أن تستمر ولأسباب ذكرتها هنا وفي السابق مرارًا، وهي ذات علاقة مباشرة بالحرب الباردة وسباق التسلح وحصار روسيا الناهضة، وإنما من الآن فصاعدًا، فلم يعد العالم منسجمًا أو واحدًا أو متعاونًا خاصةً الغرب والشرق، وهناك في الغرب من يخطط وبشكل جماعي لإقتناص فرصة شن حرب نووية مستقبلاً وفي أية لحظة على روسيا مع ضمانة الإنتصار فيها كما أعتقد، والمراهنة تكمن في تحقيق تفوق عسكري غير تقليدي على روسيا، لكن روسيا التي لا تبادر في صنع الحروب، وهي التي صنعت القنبلة النووية في العهد السوفيتي عام 1949 متأخرة عن صنع الولايات المتحدة الأمريكية لها عام 1945، ولم تستخدمها طوال الزمن المعاصر، وأنتجتها لأسباب وقائية ودفاعية، وليس لغرض هجومي كما فعلت أمريكا مثلا عندما قصفت مدينتي ( هيروشيما وناكازاكي ) اليابانيتين نهاية الحرب الثانية، وتسببت في مقتل أكثر من مائتي ألف مواطن ياباني، وإصابة غيرهم في أمراض خطيرة سرطانية مزمنة، ولقد قالها الرئيس بوتين بأنه لا يتصور العالم من دون روسيا، وبأن لارابح في الحرب النووية لو حدثت، وهو مؤشر قوة لروسيا ولحلف ( الناتو ) معًا، والأصل أن تجدِّف كبريات دول العالم اتجاه السلام والتنمية البشرية خدمة للإنسان أينما تواجد، ولم يثبت العلم بعد وجود حياة في الكواكب السماوية القريبة أو البعيدة، ولا ملاذ آمن للبشرية غير الكرة الأرضية بيت العالم الأول والأخير، وحتى من دفن فوق القمر من الأثرياء ماتوا أولاً فوق الأرض مثل عالم الجيولوجيا الأمريكي ( يوجين ميرل شوميكير ) مواليد عام 1928، الذي كان حلمه الصعود إلى القمر في حياته ، لكنه لم يعلم بأنه سيدفن فوق القمر، وهو ما حدث فعلاً، وبطبيعة الحال في مثل هذه الحالات ترسل الجثث إلى أفران نووية لتتحول إلى رماد قبل إرسالها إلى القمر لدفنها.