سنتغير إجباريا أيها السادة

{title}
أخبار الأردن -

ماهر أبو طير

انا لن أتحدث عن ارتفاع اسعار المحروقات، ولا زيادة اقساط البنوك، ولا عن موجة الغلاء التي تضرب الأردن، حالنا حال كل دول العالم، لأن التغيرات جارفة جدا، وتأخذ الكل في طريقها.

سأتحدث هنا عن الانماط الاجتماعية السائدة، والتي يقاوم كثيرون تغييرها، برغم الاوضاع التي تتراجع، وكل المؤشرات التحليلية الدقيقة تقول اننا ما نزال في البداية في هذا العالم، حتى لا نتوهم انفراجات غيبية، لا تستند الى العقل، والمنطق، ويغيب عنها التقدير لما يجري في العالم.

من الانماط التي يتوجب تخلي الناس عنها، وتغيير سلوكهم، انماط الزواج وكلفه، واذا كان الشاب والشابة يريدان الارتباط اليوم، فعليهما مقاومة طريقة الاهل، فهي مكلفة وغير عملية، وغير منطقية، من كلف الذهب الى المهر الى كلفة التأثيث وحفلات الزواج والخطبة، وغير ذلك، والتخلي عن الانماط البائدة هذه يساعد كثيرين على الزواج وان يبدأوا حياتهم بأبسط الكلف، حتى لا تتعمق ازمة العزوف عن الزواج، ويكون البديل التفكك الاجتماعي والانحلال الاخلاقي.

يخضع غالبية الناس لرأي غيرهم من معارف واقارب، ويتورطون في استعراضات اجتماعية تدفع الشباب للهروب من الزواج، وبحيث يكون الأثر الاجتماعي كارثيا على مجتمع يأبى ان يتغير، وان تتغير انماط سلوكياته، برغم كل المطارق التي تنزل على رؤوسنا ليل نهار من حيث لا نحتسب.

انماط الانفاق على التعليم، نموذج آخر، وأنا هنا اتحدث عن الطبقة القادرة على ارسال اطفالها إلى مدارس خاصة، مثلا، وامام هذه الجنون في الرسوم المدرسية، على الناس ان يتغيروا وان يعدلوا سلوكياتهم حتى لا يتورطوا في مشاكل كبرى، وان يبحثوا عن مدارس اقل كلفة، مثلا، بدلا من هذا الاستعراض بأرقام الرسوم المدفوعة، التي يتم توظيفها للفخر الاجتماعي الزائف.

الأمر ذاته ينطبق على التعليم الجامعي، وعلى الناس ان يتغيروا وان يبحثوا عن تخصصات برسوم معقولة، بدلا من قتل الاباء والامهات خلال حياتهم بحثا عن تأمين الرسوم، واحيانا على كثيرين ان يتغيروا عبر الذهاب الى الكليات، الاقل من حيث مدة الدراسة، خصوصا، ان الجدوى باتت واحدة، سواء درست في جامعة او كلية، فلا اعمال، ولا وظائف، ولا يستفيد المرء سوى الاستعراض امام من حوله بشهادته، التي للاسف الشديد لن تأتيه بفواتير هاتفه وسجائره.

قد يبدو الكلام هنا منفرا، لكن هذا هو الواقع، ويستحيل ان تأتي اي جهة رسمية او غير رسمية بحل لنا، وهناك حالة استسلام امام المشهد، بما يفرض تغيرات في المجالات المتاح فيها التغيير، وقد يمتد الامر الى مجالات متعددة ثانية، ونحن هنا لا نطالب المتقشف ان يتقشف اكثر، بل نطالب من لديه القدرة على اختصار النفقات، حتى نصمد في هذا المشهد على مستوى البيوت، والعائلات، وان نخفف من كلفة هذا الانحدار الذي نعيشه يوميا في كل مكان.

هناك تغيرات ستفرض نفسها اجباريا على الناس، وليس اختياريا، والتغيرات الاجبارية ستكون مؤلمة جدا، وربما الافضل ان يقوم الناس بتغيير انماطهم، حتى لا ندفع جميعا كلفة خطيرة، لان التراجع الاقتصادي والغلاء سيؤديان الى نتائج اجتماعية خطيرة من انهيار مؤسسة الزواج، والعزوف عنه، وتفشي الجريمة والمخدرات والعنف والغضب وغير ذلك من ظواهر مقبلة.

الخبراء يتحدثون عن مرحلة ركود وتضخم، وموجة غلاء غير مسبوقة، وفي بلد مثل الأردن حين يرتفع سعر الاثاث 30 بالمائة، مثلا، والالبان قد ترتفع 20 بالمائة، وترتفع اسعار الوقود، واقساط المصارف والغذاء والدواء، فلا يمكن ان نبقى بذات انماطنا الاجتماعية، حتى لو كنا نعتبر انها من حقوقنا الاساسية، خصوصا، ان لا احد يهتم، او يأبه بما يجري، ولا حلول سيتم تقديمها.

تخيلوا فقط من اشترى سيارة رخيصة عبر البنك، وكم زادت اقساط البنك عليه، وكم ستزيد لاحقا، فوق ارتفاعات البنزين، ويكون راتبه في الاساس لا يتجاوز الـ400 دينار، ومثله سيواجه ظرفا جديدا، وسيضطر اجباريا ان يتغير، هذا اذا وجد مجالا للتغير في ظل تقشفه الاساس.

القصة هنا، ليست رمي الكرة في ملعب الناس، لكنها الحقيقة التي نسمعها من كل الاقارب والاصدقاء والخبراء والمغتربين في العالم، فالكل يقول لك ان الدنيا تتغير سريعا بطريقة غريبة.
 

تابعونا على جوجل نيوز
تصميم و تطوير