الفهم العميق والسليم لرؤية التحديث الاقتصادي
ينال البرماوي
من الطبيعي أن تكون ردة الفعل والقراءات الأولية لرؤية التحديث الاقتصادي بهذا الكم والكيف من قبل المحللين والخبراء وحتى المواطنين والمتابعين للشأن الاقتصادي الأردني قياسا الى حجم هذا المشروع الوطني غير المسبوق والذي جاء في وقت بالغ الأهمية من حيث عظم التحديات المحلية والدولية والمتغيرات التي يشهدها الاقتصاد العالمي بشكل عام وسعي كافة البلدان لوضع استراتيجيات وبرامج بنسخ محدثة قادرة على التعاطي مع متطلبات المرحلة والانتقال الى اقتصاد عالمي جديد بعد جائحة كورونا التي فرضت أنماطا وظروفا لم يكن سهلا مجابهتها.
المهم أن تكون التحليلات والآراء تجاه الرؤية مبنية على فهم عميق ومدروس لما اشتملت عليه من أهداف عامة وفرعية داخل كل محور من مكوناتها والابتعاد عن اطلاق الأحكام المسبقة والتفسيرات والتأويلات والاجتهادات السطحية التي تأتي في سياق احتفاظ الذهنيات بمخزون كبير من الخطط والبرامج التي شهدتها السنوات الماضية وماتزال مركونة في الادراج ولم تنفذ لأسباب متعددة أهمها أنها كانت ترتبط بحكومات وليس باطار عمل ممتد لسنوات طويلة .
ومن عوامل ومعطيات نجاح هذه الرؤية أنها تمثل برنامج عمل وطني ممتد لعشر سنوات وعابر للحكومات وبذلك نكون قد تجاوزنا احدى الاشكاليات الأساسية في التعامل مع الملف الاقتصادي حيث أن كل حكومة كان تجهد في وضع برنامج خاص بها ينتهي برحيلها .
وهنا اقتبس من حديث القامة الاقتصادية الوطنية الدكتور جواد العناني بقوله « إن رؤية التحديث الاقتصادي لن تتأثر بتغيير الحكومات وإنها تحظى بدعم الملك وسيحكم على الحكومات من خلال الإنجاز المحقق من خلالها «.
وما يميز الرؤية أيضا أنها تعكس الجهود المبذولة في اعدادها استنادا الى تشخيص واقع كل قطاع و تحديد الامكانات الاستراتيجية وأولوياته وأبرز المبادرات المقترحة في اطار البرنامج التنفيذي وهذا أسلوب علمي متقدم في التخطيط الاستراتيجي ويمازج بين عدد من الأساليب المتبعة في دراسة الواقع ومعرفة نقاط القوة والضعف والفرص والتحديات والمطلوب عمله لغايات التطوير والتحديث .
كما أن الخطة لم تبن على الافراط بالتفاؤل لما يمكن تحقيقه خلال السنوات العشر المقبلة وانما تعكس طموحا واصرارا على مواجهة التحديات وتحقيق النتائج المستهدفة مع الأخذ بعين الاعتبار التحديات الراهنة والمحتملة يقابلها استثمار الفرص المتاحة وامكانية استقطاب استثمارات استراتيجية كبرى بخاصة في قطاعات التعدين والطاقة والسياحة والخدمات وغيرها وبالتالي امكانية السيطرة على البطالة وتخفيضها وتحسين مستويات المعيشة والارتقاء بالخدمات المقدمة للمواطنين .
تلك الاستثمارات قادرة على توفير فرص عمل بأعداد كبيرة جدا بشكل مباشر وغير مباشر والظروف مواتية جدا لذلك .
وما يعزز فرص تحقيق أهداف الرؤية هو الشراكات الاقتصادية التي تجمع الأردن وتكتلات عربية وآخرها الشراكة الصناعية التكاملية مع الامارات ومصر وكذلك التعاون الثلاثي الذي يضم مصر والعراق والصندوق الاستثماري الأوروبي الموجه للأردن للفترة المقبلة والعمل على تحسين الجاذبية الاستثمارية للمملكة .
نجاح الرؤية يحتاج أيضا الى اشاعة الاجواء الايجابية لمستقبل الاقتصاد الأردني ونجاعة الاجراءات المتخذة لزيادة النمو لان العامل النفسي مهم جدا لتحفيز الاستثمارات وتجذير رأس المال الوطني وتوظيفه بمشاريع استثمارية في مختلف القطاعات .